حق الشعب في الاكتفاء الذاتي والسيادة الغذائية

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

رفع منظمو المعرض الدولي للفلاحة في مكناس شعار السيادة الغذائية، خيطا ناظما لدورته الحالية، في تصادٍ مبرمج مع اختيار رئيس الحكومة للسيادة ذاتها كموضوع للنقاش المؤسساتي في اللقاء الدستور ي الشهري أمام البرلمان.
وأن يختار رئيس الحكومة وضع السيادة الغذائية، على مائدة النقاش البرلماني، فتلك طريقة لا يمكن أن يغفل المتتبع معناها في السياق المغربي..
لسببين رئيسيين على الأقل:
هو محاولة تقديم مجهود الحكومة في تحقيق إرادة ملكية معلن عنها وردت في سياق دقيق وحرج، عقب الجائحة ثم ما رافق المغرب في زمن الحرب، من بعد..
تتقاطع السيادة بهذا المعني مع عودة الدولة بحد ذاتها، قبل تحديد طبيعتها (اجتماعية ليبرالية أو تشكل مزدوج بينهما)..
الربط الذي قام به الملك بين عودة السيادة مع عودة دور الدولة في سياق جيوستراتيجي يجعل الدولة الآمنة مركزيا، تصر على السيادة الغذائية في تحرير القرار وضمان استقلاليته.
وفي هذا السياق ، يجب التذكير بأن المغرب حافظ، في لحظة انقطعت فيها سلسلة التوريد الفلاحي عالميا، على سيادته وغذائه، معا. في حين كانت الحكومة متوارية تقريبا….
النقطة الثانية التي لا تخفى بدورها، هو وجود رئيس الحكومة، كأحد محفزي المغرب الأخضر وفاعلية، طوال المدة التي دام فيها هذا المخطط، مع وضوح حدوده وحظوظه معا في الفترة التي ترافقت مع مجيء حكومته، قادما إليها من قطاع فلاحي تمارس فيه سيادة تعبيرية بلامنازع. هذان السببان لا يلغيان ضرورة توضيح مفهوم متداول بكثرة..
مفهوم السيادة الغذائية، هو في الأصل مفهوم جامع، وقد يبدو واضحا في الوعي التداولي، لكن مع ذلك يلزم العودة إليه لتحديد مجال ودلالة تداوله واستعماله، حتى لا يتم الخلط بينه وبين الأمن الغذائي، وبينه وبين الحق في الغذاء. وهذا المجهود ليس ترفا مفاهيميا أو تفلسفا (لا يصلح مع الجوع طبعا) بقدر ما هو ضرورة لتفكيك الخطاب الحكومي، الذي قد يعمد إلى التنقل بين المفاهيم الثلاثة للمزيد من الالتباس، كما يحدث الان عند الاستيراد مثلا.
وعليه نكرر القول إن الحق في الغذاء والأمن الغذائي  مختلف عن السيادة الغذائية، وهي لا تعني، لا الأول ولا الثاني..
وبتلخيص شديد، فإن الحق في التغذية أو الغذاء مجرد عنصر من عناصر عديدة تشكل السيادة الغذائية. والخلاف بينهما في وسيلة الإنتاج والطابع المحلي لهذا الحق ونوعيته: أي يمكن أن يتأتى الحق في الغذاء (التغذية) من الخارج وبطريقة غير شرعية، في وقت الشدة أو تحت إكراه الاحتكار والاغتناء من ظروف صعبة، كما يمكن أن يكون الحق في الغذاء حلا مجزأً يتحقق بضمان غذاء ناقص الجودة والكمية، يشعر معه المستهلك بنوع من العور بالحرمان.. أما الامن الغذائي، فمعناه أن يتمكن الناس من الغذاء على طول البلاد وعرضها، في حين يكمن الخلاف مع السيادة الغذائية في طريقة الوصول إليه، حيث يطرح علينا طريقة تغذية كل المغاربة: عن طريق الاستيراد أو الاحتكار أو غيرهما. ويمكن لأي مواطن أو معارض أن يتساءل بدون التشكيك في الأمن الغذائي أو الحق الغذائي المضمون عبر الاستيراد مثلا. لكن عند استحضار السيادة يمكن أن تبرز أسئلة مقلقة، ولا يمكن القفز عليها أمام الإعلان رسميا عن استيراد ما، يفوق 8 مليون طن من الحبوب؟ وعند الإعلان الرسمي، مع مشاهد مصاحبة عمومية عن استيراد الأبقار البرازيلية، وربما غدا الدجاج الإسباني …الخ.
وعليه فإن الحكومة عندما تتكلم عن السيادة الغذائية، فهي في أحسن الاحوال تتحدث عن مضان الحق في التغذية أو عن الأمن الغذائي، أما السيادة فهي مفهوم أوسع وأشمل، يهم الغذاء وطريقة ضمان الغذاء ووسيلة إنتاج الغذاء.. وهنا “لاثية الجوهر” في القضية…
ومن أجل انطلاقة محددة نقول إن مفهوم السيادة الغذائية جاء في الأصل للدفاع عن حقوق الفلاحين والفلاحات، المزارعين والمزارعات لما يحيل عليه هذا المصطلح من هشاشة مجتمعية، وقد بلورته منظمة الغذاء الأممية (الفاو)، باعتباره حقا عالميا متفقا عليه، مع “ترك الإمكانية للدول أو لمجموعة الدول لوضع سياسات فلاحية أكثر ملاءمة مع ساكنتها بدون المس سلبيا بمصالح ساكنة دولة أخرى”، وفي ما بعد سيتم توسيع هذا المفهوم لكي يتجاوز الحق في سياسة خالصة لفائدة الفلاحين الى “الحق في الغداء والإنتاج الفلاحي، أي أن كل السكان لهم الحق في تغذية صحية، والحق في موارد لإنتاج الغذاء” وتم تطور الشعار مرة ثالثة ليجعل من السيادة الغذائية “مفهوما يضم ما سبق مع إضافة أنه يجعل المنتجين والموزعين والمستهلكين في منأى عن “إكراهات الأسواق والجمعيات العابرة للأوطان. ويدافع عن الأجيال القادمة”، كما أصبحت السيادة الغذائية تعطي الأولوية للاقتصاديات والأسواق المحلية والوطنية، وتعطي الأفضلية للزراعات الغذائية الاستهلاكية والصديقة للطبيعة، وفي صلبها الفلاحة التقليدية وتربية المواشي مع التنبيه علي ديمومة بيئية واجتماعية واقتصادية موجهة نحو طبقة فلاحية اجتماعية متحررة من أي وسائل الضغط أو اللامساواة..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/05/2023