حوار الرئيس الجزائري مع «لوبوان»: تبون وريثا للاستعماري «إدغار فور»!

عبد الحميد جماهري
لم يتحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كرئيس دولة محترم، لكي يتلقى ردا من …دولة!
ولا تحدث كصاحب مشروع استراتيجي وإقليمي عقلاني ليكون التجاوب معه ضرورة لبناء القواسم المشتركة أو حتى عداوة قادرة على إنتاج متغيرات تنافسية!
لقد تحدث كتلميذ بئيس لعقل دولة بئيسة ونظام يجتر عاهاته القديمة بما فيها متلاشيات الفكرة الاستعمارية…
عقل يمعن في العبثية ونكران الواقع ..
ولهذا ستكون ردود الإعلاميين المغاربة هي، في الواقع، أعلى تمثيلية ممكنة في التفاعل معه!
لقد أقام الرئيس، في حواره مع أسبوعية »لوبوان« الفرنسية، صرحا كاملا على قاعدة موقف فرنسا من الجزائر العتيدة، وضرورة إعلان اعتذارها للجزائريين، وأطنب في تفسير السلوكات الاستعمارية، وما تستوجبه من »توبة« عاجلة من طرف الفرنسيين اليوم..
والحال أن تبون كان عليه أن يعتذر للمغاربة قبل ذلك..لا بلغة الاعتذار الأخلاقية، التي يبدو أنها أعلى من ثقافته، بل بتحرير نفسه من الفهم الاستعماري للمغرب وعقدته مع الملكية.
والقصة، كما قد يعرفها »تبون «ورئيسه الجنرال شنقريحة، هي أن فرنسا الاستعمارية لم تفهم أبدا التلاحم بين ملكية المغرب، في شخص أب الأمة وقائد التحرير محمد الخامس والشعب ونخبته الوطنية، عندما حاولت أن تقدم الاستقلال بدون ملكية، وهي الحكاية التي رواها »إدغار فور« في كتاباته، ثم كررها الفقيد الكبير السي محمد بوستة، رحمه الله.
فقد ذكر الاستقلالي القيادي أن المحاوِر الفرنسي، اقترح على الوفد المغربي، إذاك، بوجود بوعبيد وامحمد يزيد وغيرهما، بأن »يتم تحرير المغرب بدون عودة محمد الخامس«، فرفض الوطنيون مذكرين إياه بأن عودته شرط سيادي والملكية تاج المغرب الحر.
أسقط في يده ولم يستسغ أن يكون الرد هو ذلك، وفشل في فصل الملكية عن الشعب المغربي ونخبته، وفشل في معرفة هذه الكيمياء التي تجمع السيادة والحرية في العرش والوطن!
وبعد أزيد من نصف قرن، لم يجد تبون من تاكتيك »ذكي سوى أن يحاول تقليد نفس الفصل بين الملك وبين الشعب، بين الملكية وبين الوطنية!
وهو في ذلك يحاول أن يستثمر، بدون نجاح كبير، في أطروحة استعمارية انتهت بعودة الملك المظفر، ثم في استمرار الملكية في تثبيت الوحدة الوطنية وفي تثبيت مسارات الديموقراطية والتحديث.
وعقدته اليوم مع المغرب والملكية هي نفسها..
وهي توريث جيني، يعيد »كروموزوماته« إلى طبيعة النظام المصنوع في ورشات الامتداد الكولونيالي، لأن تفكيره يقطع قطيعة موصولة مع الإرث المشترك للدول والشعوب في المنطقة.
عقدة الكولونياليين مع ملكية محمد الخامس، هي نفسها عقدة ورثتهم الجدد إزاء محمد السادس…
لقد تركت فرنسا الاستعمارية ورثة لها، ليسوا دوما في المكان الذي نعتقده، ولا الناس الذين نعتقدهم، أي اليمين الكولونيالي والنيوكولونيالي، بل في قلب مستعمرات سابقة وفي قلب الجزائر التي قدمت مليون ونصف شهيد للأسف.
حجتنا في ذلك هي الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يسعى ليعيد نفس المقولات الفاشلة في الفصل بين الشعب والملكية، وقد حاول ذلك من منطلقات عديدة، وسياقات متضاربة:
في الإغلاق السافر للحدود
في المآل المنتظر للتوتر القائم
وفي قضية الصحراء المغربية..
هذا الفصل سبقه إليه الفرنسيون وعتاتهم، وأرادوا أن يمنحوا المغرب سيادة بلا ملكية، فرد الوطنيون والشعب بالحرية مع الملكية وجعلوا من الملكية رمز السيادة…
لهذا لن يفهم تبون هذا المكون الجوهري في رباط العلاقة بين الملكية والوطنية والوحدة الترابية..
لقد أراد تبون أن يؤلم المغاربة ألما عميقا وقويا..
ونعترف بأنه آلمنا كثيرا عندما مس بالملكية المناضلة وقائدة التحولات الكبرى والغايات والحارسة الأمينة للعقد الوطني والتراب الوطني والهوية الوطنية .. كما آلمتنا فرنسا عندما مست محمد الخامس، الملك الذي لم يسلم الجزائر لفرنسا كما لم يسلم المغرب لها..
إنه الألم الذي يسببه الجاهل، لمن يقول »سلاما»!
لهذا يحلو له الحديث بمصطلحات الحرب العادية
ولغة التهديد المبطن
وقاموس الضغينة المريحة!!!!!
إنه يبحث عن الحرب، وليس عن الأجوبة السياسية لبلاده ووضع لا يسايره إلا بالمناورات …والحطب ليلا.
وفي صناعة الحرب، هناك أشياء أخرى يدعيها…
وسنعود إليها!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/06/2021