خلاصات سياسية ومكاسب ما بعد مشاهد الحرب بمليلية
عبد الحميد جماهري
بعد التحرر من استعجالية رد الفعل على ما حدث في المسافة بين الناظور ومليلية السليبة، يمكن الآن وضع خلاصات للمكاسب التي تحققت ضدا على ما أريد لهذه الأحداث أن تفرزه. ويمكن، في ترتيب ذلك، العودة إلى قراءة البلاغ – الموقف الصادر عن المفوضية الأوروبية للشؤون الداخلية، بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع المفوضة السويدية إيفا يوهانسون، والوزير الإسباني غراندي مارلاسكا ووزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت …
العنوان الذي اختارته المفوضية الأوروبية لإعلان نتائج الحوار السياسي الذي دار بين الأطراف الثلاثة، بعد أسبوعين على الأحداث، هو «أنها والمغرب جددا شراكتهما في مجال الهجرة ومحاربة شبكات الاتجار في الأشخاص …» ، وأعلنا، إلى ذلك ، «المسؤولية المشتركة» في تدبير هذا الموضوع .
هناك مقدمات مستجدة لا يمكن القفز عليها، في بناء الموقف الأوروبي المستجد:
كان لابد من تعريف طبيعة الاقتحام وطبيعة المقتحمين، والواضح أن التعاطف مع الضحايا لم يخف حقيقة التطور الجديد في قضية توظيف الهجرة غير السرية .
تحملت أوروبا مسؤوليتها، ولم تكتف بمنظور مجزء في النظر إلى مآلات الهجرة والمهاجرين، وأقر البلاغ «بروز أنماط عمل جديدة لدى شبكات تهريب البشر، ذات طبيعة جد عنيفة من لدن هذه الشبكات الإجرامية». وبالتالي فكل ما هو إجرامي وعنيف يستوجب الرد المناسب لحماية الأمن والممتلكات، وهاته المافيات «مستعدة لكل المخاطر مهما كانت كبيرة» وتجدر الإشارة إلى التنويه بما قدمته قوات الأمن المغربية في مواجهة هذا الانزلاق .
والخلاصة الأولى، أن المغرب ربح في هذا الشوط من المأساة، إذا شئنا، أن الأوروبيين، ومن بينهم الإسبان خصيصا، لم تنطل عليهم حيلة المدبرين الحقيقيين للمأساة، التي أرادوا منها تقديم المغرب في صورة دولة تتعامل بعنف مع مهاجرين رمتهم القارة على حافة البحر المتوسط ! هناك وحدة من التحليل ضرورية لبناء الموقف المشترك الذي يرى في ما جرى فصلا من فصول التدبير الموجه والمغرض لمجموعة خضعت للتدريب على العنف .
الأحداث وضعت على المحك الوسائل والترسانات الكلاسيكية في مواجهة الهجرة غير الشرعية والشرعية .
الأوروبيون سلموا بالدور الذي لعبه ويلعبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهذه نقطة مركزية في قراءة ما بعد حرب السياج .
وأهمية الإقرار الأوروبي بالمجلس الوطني كآلية حقوقية معتمدة، تتوفر على جانبين اثنين على الأقل:
* هو الرد المشترك، أوروبيا ومغربيا على كل الدعاوي والمحاولات التي أرادت «تدويل» قضية التحقيق ومحاولات نقل الموضوع إلى الأمم المتحدة أو إلى لجن دولية أخرى، كما اتضح من محاولات حليف الجزائر (كينيا) أو بعض الدعوات للمنظمات التي لا تكن أي ود للمغرب.
* أن هذا الإقرار سيكون له ما بعده، في القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، والتي سيكون للمجلس الوطني فيها رأي لا يمكن لأوروبا أن ترده.
الاعتراف الأوروبي بما حققه المغرب (الشريك الاستراتيجي الموثوق به، حسب البلاغ)، في مجاله الخاص بخصوص الهجرة، وقدرته على «بناء نموذج» متقدم في تدبير الهجرة، والإقرار بسمو استراتيجيته الوطنية في هذا المجال على ما عداها من بدائل مفروضة أو يراد فرضها، والإقرار بقدرة المغرب على بناء مرجعية حقوقية إنسانية اجتماعية، للمعالجة الدولية من خلال ميثاق مراكش.
ولعل أهم نقطة في البلاغ هو إقرار أوروبا بأن ملك المغرب هو المفاوض الإفريقي المفوض له من قارة إفريقيا في قضية الهجرة. وعليه فإن الاتحاد الأوروبي يزكي القرار الإفريقي ويعترف به، وهو ما سيبني عليه سياسته عند الحديث مع القارة في قضايا الهجرة. ولعله رجع الصدى للقرار الإفريقي بتفويض الملك للحديث باسم القارة، كما أنه رجع الصدى لرسالة ملك المغرب إلى قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي قي 17 فبراير الماضي .
الاعتراف بالمجهود المغربي في مجال محاربة الهجرة السرية وما قام به من عمل في تفكيك المافيات العاملة في الميدان .
الخلاصة الأخيرة تهم الإعلان الرسمي عن الشروع في العمل بالميثاق الجديد حول الهجرة واللجوء، والذي شكل موضوع خلاف أوروبي – أوروبي، نظرا لتضارب المصالح في التعامل مع الهجرة، ما بين الدول الخاضعة للضغط المتواصل لهذه الهجرة والدول الأخرى التي تريد منها لعب دور « منطقة منزوعة الهجرة « ، ولعل الأهم هو تغير المقاربة الأوروبية (وتبديد سوء الفهم، كما ورد في رسالة جلالة الملك السابقة الذكر)، والعمل على تجاوز «المنطق الأمني الصرف»، والعمل على ربط عضوي بين التنمية والمهاجرين. أوروبا بهذا تعلن عن طريق المغرب العمل على تسوية الظروف العميقة، منذ بلدان منبع الهجرة ودول العبور وصولا إلى دول الاستقرار، ولا يمكن أن يتم ذلك بدون تقوية دور المغرب والإنصات إلى ما يقترحه في حالات التنمية الإفريقية والاستفادة مما راكمه في الموضوع.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/07/2022