خلية طنجة: زرع إرهابيي الانفصال داخل البلاد؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم توقف الخلايا الإرهابية نشاطها، في الآونة الأخيرة بالرغم من كل الضربات التي تلقتها عناصرها من طرف أجهزة المخابرات المغربية، وعلى رأسها البسيج. ففي أقل من أسبوعين فككت الديستي، خليتين إرهابيتين، في مناطق متباعدة في المغرب، ما بين الراشيدية وطنجة، مما يدل على اتساع في الخارطة التي يريد التنظيم الداعشي النشاط فيها.
كان اعتقال عناصر خلية الراشيدية على مرحلتين، أو بتاريخين، الأول 14 شتنبر الماضي والثاني 22 شتنبر، إذ تم إلقاء القبض على البقية المتبقية من الخلية.والاعتقال الذي تم البارحة بعد قرابة أربعة عشر يوما..
يبدو من هذين المعطيين أن الخلايا النائمة ليست نائمة تماما، بل مستيقظة وتتابع مجريات نشاطها الإرهابي، كما يبدو أن الأجهزة مستيقظة ولم تركن إلى أي هدوء أو تراخ، كما قد يتخيل أعضاء تنظيم الداعشيين.
أول ملاحظة بهذا الشأن، هي استمرار التهديد الإرهابي، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال إسقاطه من الأجندة الأمنية لبلادنا. وهذا الأمر تعيه الجهات المسؤولة، وتعطيه القدر اللازم من الاهتمام كما يتبين من بلاغ إعلان تفكيك خلية طنجة؛
ثاني ملاحظة هي وجود عنصر مهم في الخلية الأخيرة، هي اسم عدنان الصحراوي وهو بحد ذاته يلزم كزاوية في التحليل؛
وعدنان «أبو الوليد الصحراوي» القيادي السابق في تنظيم داعش بمنطقة الساحل والصحراء، الذي لقي حتفه منذ أسبوعين في مالي، هو قبل أن يكون إرهابيا تلقى تداريبه في قلب جبهة البوليزاريو، وسبق أن تناولنا حياته وركزنا في عمود صادر في 19 شتنبر الماضي على أن عدنان أبو وليد الصحراوي، زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، ومؤسسه منذ 2015، هو ابن مدينة العيون المغربية، ومن فلول انفصاليي البوليزاريو، واسمه الحقيقي هو الحبيب ولد علي ولد سعيد ولد يماني . والعنوان الذي اختارته وكالة «لاماب» لإعلان وفاته (مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى ومرتزقة «البوليساريو» عدنان أبو وليد الصحراوي على يد قوات فرنسية) يعطي المعنى الحقيقي لما يراه المغرب في وجود هذه الشخصية الإرهابية.
فهو قبل دولة التنظيم الإرهابية، يعد من زعماء تنظيم الانفصاليين في دولة الوهم..
وكما كانت حياته دليلا على وجود تقاطعات إرهابية انفصالية، فإن موته أيضا يعد كذلك، دليلا على هذه الحقيقة التي طالما نادى بها المغرب وقدم فيها مرافعات دولية.
أبو عدنان سليل عائلة ثرية، ويُجمِع كل كتاب سيرته، أمنيين كانوا أو إعلاميين، على أنه انضم إلى جبهة البوليساريو وتلقى تدريبات عسكرية بين صفوفها.
رئيس الجمهورية الفرنسية، وهو يعلن عن وفاته كتب في تغريدة على «تويتر»، أن «الأمر يتعلق بنجاح كبير آخر في المعركة التي نخوضها ضد المجموعات الإرهابية بمنطقة الساحل».
أما بالنسبة للمغرب، فهو دليل آخر على النزوعات الإرهابية للانفصاليين.
وتزداد خطورة «الكونيكسيون» بين الإرهاب والانفصال، عندما نستحضر الهجوم الجبان والجريمة النكراء ضد مواطنين مغاربة،مسالمين، يعملون في النقل القاري، عبر بلاد مالي التي شهدت مقتل الزعيم الإرهابي..
ويعد تنظيم أبو عدنان من أكبر وأخطر الجماعات الإرهابية، بالنظر لتشعباته الدولية الكثيرة، وتقاطعه مع جماعات إرهابية كبرى، في قوس إفريقي يجمع مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ مما يمكنه من التنسيق مع تنظيم بوكو حرام، في نيجيريا والكاميرون.
غير أن النهاية الشخصية لسائح إرهابي يتنقل في مساحات شاسعة من الرمال، لا تعني نهاية التعالق بين البوليزاريو وداعش جنوب الصحراء وفي منطقة الساحل التي تمثل «خطرا كبيرا وتحديا أمنيا مهما»،كما سبق نشره في حوار أجرته مجلة «جون أفريك» ، مع حبوب الشرقاوي، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، «البسيج» التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني المغربي (الديستي).
وهو المسؤول نفسه الذي كشف حقائق أساسية كمية ونوعية، سواء بالإعلان عن وجود أزيد من 100 عنصر من جبهة «البوليساريو» ينشطون في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو من حيث الشحن الإيديولوجي، إذ «ثبت أن هناك تأطيرا(تدريبًا) داخل مخيمات تندوف وتلقينا عقائديا يقوم به أئمة المخيمات، ما يعد أيضا عاملا جعل منطقة الساحل على ما هي عليه اليوم: تهديد للمغرب كما بالنسبة للدول الأخرى».
ومن المحقق أن انخراط عناصر جبهة «البوليساريو» في المجموعات الإرهابية المصغرة، أو داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى هو «معطى ثابت» بالنسبة للأجهزة المغربية واستخباراتنا الوطنية والدولية.
وهو معطى، تحضر معه درجة وطبيعة تشابكات الاستراتيجيات المعادية لنا، والتي قد تستعمله في محاولة ضرب العمق الإفريقي للمغرب، واستباق الخطوات القادمة في تكريس وتقوية الامتداد المغربي في إفريقيا.
وهنا تدخل استراتيجيات الدول وسياساتها القارية.

والمحيط الدولي، أو الغرب-متوسطي معني بهذه المعطيات وهذه التعالقات، وقد سبق أن تابعنا كيف أن الإدارة العامة للسياسة الخارجية والأمنية بوزارة الخارجية الإسبانية والاتحاد الأوربي والتعاون تحدثت بلسان الدول الأجنبية عن الموضوع، ونبهت إلى التواجد الهائل لأعضاء البوليساريو في داعش .
الاحتضان المتبادل بين الانفصال والإرهاب حضر كذلك في تقرير تحت عنوان «إرهاب كوكوساي يوران 2014» الذي يجعل من تندوف محطة دوارة كما يقال، للداعشيين والقاعديين..
نحن أمام حقيقة لا يمكن أن نتفادى التفكير فيها والتفكير في استغلالها في القادم من الأيام ضد المغرب وضد امتداداته الإفريقية..من طرف خصومه العلنيين والسريين على حد سواء.
نحن إذن أمام تنظيم يتواجد بين الانفصال والإرهاب.
ولطالما نبهت الأجهزة الأمنية المغربية، وغيرها في دول الجوار إلى هذا الترابط والتشابك (كونيكسيون ) بين التوجهين، باعتبار الحالة اليائسة التي وصلتها الفكرة الانفصالية والعجز التام أمام تطورات الوضع.
وكما يحدث في الكثير من مناطق جنوب الصحراء، تتلاقى حركات الانفصال مع حركات الإرهاب.. وعادة ما تكون مخابرات الدول اليائسة تتلاعب بذلك العنصر المتفجر في حساباتها الجيواستراتيجية لابتزاز الدول أو زعزعة استقرارها أو خوض حرب ضد قوى من خارج القارة فوق تراب إحدى الدول المهزوزة أمنيا وعسكريا إلخ.
بعد أن زرعت عناصرها في تنظيم داعش، من باب تقوية الإرهاب بالدم الانفصالي، اليوم تريد زرع أفكارها عند أبناء المغرب عبر الفكر الداعشي، لتغذية اسراتيجية الانفصال بالدم الداعشي..
إنهاعملية استقطاب داخل المغرب، لعناصر مغربية تستعمل كدراع للانفصال، من خلال الفكر الداعشي والنظريات التكفيرية..
ولا شيءيمكن أن يوقف الانفصال وراعيه، إذ شاهدنا كيف يتم اللجوء إلى الدعم الشيعي، عبر إيران وحزب الله، واللجوء إلى نقيضه من خلال الفكر الإرهابي المتلفع بالسنة، رافضة وتكفيريين لا يهم،ما دامتالمهمة واحدة! اليوم نحن أمام منعطف جديد وبالغ الخطورة ويتعلق بالتوظيف من داخل المغرب للارهاب في خدمة الانفصال، وعلي ضوءهذه المعطيات يجب تقدير الموقف في كل ما له علاقة بأمننا الداخلي والخارجي،وتقدير الحملات التي تريد شل الاجهزة وتوظيف كل الوسائل ضدها والحملات التي تستهدفها ليست معزولةبعضها عن بعض. هناك ما وراء الظاهر من الاشياء.وما وراء تقاطع الارهاب والانفصال عندما يتعلق الأمر ببلادنا..الخ.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/10/2021