دروس تدبير أزمتَيْ إسبانيا وألمانيا
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/04/hamid-jmahri.jpg)
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
علموا أبناءكم أن الندية نجاح والسيادة فلاح!
سبق لكاتب هذه السطور الفقير إلى رحمة ربه أن تساءل، في مقال صدر شهر مايو الماضي: هل يستطيع المغرب أن يتحمل توترين اثنين مع مدريد وبرلين في نفس الوقت؟ (انظر نص المقال في الصفحة الرابعة).
والواضح اليوم أن المغرب لم ينجح فقط في تدبير الأزمتين، مع وجود جوار عدائي مزمن، بل انتصر فيهما..
دليلي في ذلك، البيان الصادر عن الخارجية الألمانية، ثم التصريحات التي أدلـي بها وزير خارجية إسبانيا أمام مجلس الكونغريس الإسباني.
بالنسة للبيان الألماني سبق أن تناولناه في حينه، تحت مسمى «البراءة …لفائدة الشك»، وهذه «البراءة لفائدة الشك» بلغة أهل القانون هي ما تبدو، ولله أعلم، في طيات بيان خارجيتنا الذي رحب ببيان الألمانيين، ثم فتح الأبواب لعودة العلاقات مع «استئناف» واضح يفيد ما ذهبنا إليه، من خلال الاعتراض الذي طالب بـ «ربط الأقوال والأفعال (انظر الصفحة 4، المقالة حول ألمانيا والبيان الصادر عن وزارة بوريطة…).
أما بخصوص إسبانيا فقد كان لافتا أن وزير خارجيتها السيد الباريس دعا إلى علاقة جديدة مع المغرب، «تليق بالقرن الواحد والعشرين»، معتبرا في الوقت نفسه أن الأزمة أصبحت وراء البلدين وأن المطلوب هو تفكير عميق في المستقبل من مدخلات جديدة غير التي كانت عليها سابقا.
والحال أن تصريحات الوزير الإسباني تقاطعت كليا وإن لم نقل أنها جعلت لنفسها من قاموس الخطاب الملكي في 20 غشت، تعابير ومعالم للنظر المشترك.
وذلك من خلال التأكيد على وجود لقاءات ومفاوضات، وأيضا الوعي بضرورة بناء معايير جديدة في العلاقات المستقبلية، وغير ذلك من العتبات التي وضعها خطاب الملك للانتقال بالفعل إلى علاقات إسبانية مغربية تليق بالقرن الواحد والعشرين.
خلاصة أولى هي أن إسبانيا وألمانيا، اللتين التقيتا في توقيت الأزمة، تلتقيان معا في توقيت الانفراج.
وهذا أمر مهم، قد نرى فيه نوعا من اقتسام الأدوار والتنسيق، وهو احتمال كان واردا منذ البداية في بيانات الخارجية المغربية التي جمعت بينهما في التوقيت وفي الصياغة والتعامل بالمثل، كما قد نرى فيه شرطا مزدوجا لعلاقات قادمة أقوى مع عاصمتين أساسيتين في أوروبا وغرب المتوسط…
خلاصة ثانية: وهي الأهم بالنسبة للمغرب، تفيد بأن عقيدة الندية التي التزمها المغرب أصبحت مسلمة جيوستراتيجية مع الدولتين معا.
فقد أصبح لعبارة «على قدم المساواة» الواردة بالبيان الأخير للسفارة الألمانية في المغرب، معنى كاملا، كما أن تركيز إسبانيا على علاقات مشتركة ندا للند قد أكد هذا المعطى.
خلاصة ثالثة: لقد اتضح للدول كما للأفراد أن الذين اعتبروا الندية مغامرة غير محمودة العواقب أو الذين اعتبروها «غرورا مخزنيا» أو ذهبوا إلى أنها قراءة خاطئة لتطورات الأوضاع في العالم وغرب المتوسط وتوتراتها، كانوا كلهم على خطأ، بل ثبت أن القراءة الحقيقية والخطوات الديبلوماسية التي قام بها المغرب كانت مدروسة بميزان العقل والفعل ورد الفعل، وأنها استبقت التغيرات بالقدر نفسه الذي ساهمت فيها.
لذا نقول للمغاربة من كل الأجيال والطبقات علموا أبناءكم السيادة، فإن السيادة فلاح وعلموهم ركوب النِّدِّية فإن الندية صلاح!
خلاصة رابعة: قد يختزل كل ما وقع في الإرادة الأمريكية في تقوية المغرب في توزيع العمل الإقليمي، على حساب إسبانيا وألمانيا معا، والحقيقة تستوجب بعض التمييز والتمحيص، ومنطلقها هو أن المغرب، ما كان لتختاره أمريكا، الدولة القوية، حليفا في المنطقة لو كان ضعيفا فاقدا للبوصلة بدون رؤية استراتيجية واضحة وبدون إمكانات تسعف حلمه في الريادة الإقليمية!
بمعنى آخر أن القوة والريادة المغربية سبب ونتيجة في نفس الوقت: سبب، لأن الدولة العظمى لا تختار حلفاء استراتيجيين من بين الدول الضعيفة أو الجامدة، ونتيجة لأن الموقع المغربي القوي، شكَّل فيه القرار الأمريكي التاريخي بالاعتراف بسيادته على صحرائه وفي جعله حجر الزاوية في التحالف بالمنطقة غرب المتوسط وشمال إفريقيا، (شكل) دفعة قوية لا ينكرها المغرب وأبناؤه…
هناك وقائع كثيرة تدعم هذه القراءة المتواضعة، منها ما يجري حاليا في أوروبا إزاء المغرب، ولاسيما التقرير الصادر عن المفوضية الأوروبية، في علاقة ساكنة الصحراء بخيرات بلادنا، وفي علاقة كل ذلك بالاتفاقيات المشتركة وما نصت عليه من بنود، لا سيما وأن القضية اليوم أمام أنظار المحكمة الأوروبية…
خلاصة خامسة: ما كان للمغرب أن يحصل على ما حصل عليه لولا أنه أجاد اللعب بالأوراق التي بين يديه، وأيضا بقدرته على تأمين حدود أوروبا في قضايا الإرهاب والهجرة والجريمة المنظمة، فهو لعب بكل أجنحته الاقتصادية والجغرافية والأمنية والثقافية…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/12/2021