دروس ما وراء جبهة الحرب التجارية

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قد يبدو من غير المستساغ والسليم أن نحاول الإجابة عن أسئلة الدولة الكبرى، ونحن في اقتصاد هش، وبمستوى نمو غير مقنع بل بهشاشات متعددة تجعلنا موضوع مصارحة قاسية مع الذات قبل استحضار العلاقة مع الآخر.
لكن في الحرب التجارية المفتوحة مما هو في حكم الدروس التي لا يمكن أن تقفز عليها الدول التي لا توجد في الصفوف الأولى لها أو في متاريسها الأكثر تعرضا للنيران..!
الواضح أن الدولة الليبرالية المتوحشة الأولى في العالم اختارت رد فعل سيادي، كأي دولة في حالة دفاع عن النفس، لأن المستقبل الذي تبشرها به التقارير غير مشرق!
وهذا الاختيار، الذي فرض توفير أموال الأمريكيين وجمعها من كل أنحاء العالم، (انظر عمود البارحة) فرض تدخل الدولة مباشرة، من أجل جمع الأموال عن الحروب والمنظمات الدولية والشركات مع عودة إلى الداخل (عقيدة مونرو)، علاوة على الشركات الأمريكية العملاقة المدعوة للعمل معا يدا في يد مع الدولة في شراكة وطنية تجعل لها مكانا في المستقبل الملتبس!
هذا درس أول: ثانيا نحن معنيون بفعل علاقات الشراكة التي تربطنا مع الصين في إطار مفهوم مركزي في الديبلوماسية مبنى على تعددية استراتيجية) ومعنيون بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي( الذي نعتبر نحن شريكه التجاري الثالث بعد أمريكا وانجلترا. ومن نافل القول إن أي تأثير في العلاقة مع هذين الشريكين، سلبا أو إيجابا، انفراجا أو توترا، لا بد له من أن يمسنا بهذا القدر أو ذاك .. ولا سيما في ما له طابع استراتيجي سياسيا وعسكريا ..
ثالثا: نحن معنيون في ما يخص الحرب التي تجري فيها المواجهة بين أمريكا والصين، بالتفكير في الجبهات التي تخاض. فيها الحرب، ودرجة تطورنا لمواجهة تحدياتها وما استطعنا تحقيقه أو علينا تحقيقه..
كل الذين تابعوا الندوات التي عقدت في ما سمي» بقمة تدبير المخاطر التي فتحت أبوابها في منتصف مارس الماضي بباريس، لا بد أنهم التقطوا تلك التحليلات التي تهم مجالات الصراع، وقوة كل الفرقاء فيها.
وقد تحددت من خلال المداخلات لخبراء في الاقتصاد وفي الاستعلامات الاقتصادية والاستخبارات والتقدير الجيوسياسي أن هناك سبع. ساحات للحروب التي صارت تدور بشكل مكشوف، وليست حروبا لا يعرفها سوى الراسخون في العلم والعلاقات الدولية والجيو اقتصادية. وهذه مجالات وجودية:
تتعلق بالرقمنة: وبالطاقات، بما فيها المتجددة، وبالمعادن والحرب عليها لا سيما المعادن الأساسية التي تحدد مستقبل الصناعات في العالم، والأمن والصناعة الأمنية، بما فيها الأمن السيبيرنيتيقي والمعلوماتي، وكل ما له علاقة بصناعات الطيران والمنافسات في ركوب الفضاء والامتداد فيه نهاية بالصناعات العسكرية..
إن القراءة المنتجة هي التي لا تقف عند التأثير المباشر، قل أوكثر، للقرارات المتخذة، على المغرب، بل تلك التي تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ترصد مدى تطورنا في جبهات القتال التي تحددت في سبع جبهات. وماذا حقق المغرب فيها من نهضة وإلى أي حد يتمكن من الاقتراب من سيادة وطنية فيها، تجعله في منأى من الـتأثيرات الخارجية التي تعطل تطلعاته في ريادة وسيادة خارج الضغط من القريب ومن البعيد، من الحليف ومن الخصم..
وهذا الخصم لا يتحدد فقط بناء على من يحدده الحليف، مثل الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر بأن أمريكا، مهما كانت قراراتها، فهي تجعله حليفا سيئا لكن الصين تظل نصب أعينها..
لقد اتفق المتدخلون في قمة «تدبير المخاطر» SUM MITRISK الباريسية على أن الخوف الأمريكي يتأتى من كون واشنطن أضاعت قصب السبق في الكثير من المجالات التكنولوجيا.. وقد حصرت كل المنظمات والهيئات العلمية وذات الصلة بالقرار المستقبلي وجود 47 تقنية أو تكنولوجية استراتيجية بالنسبة للتنافسية في العالم، منها النانوتكنولجيا أو التكنولوجية المتناهية الصغر، وتدبير العلاقة بين الإنسان والإنسان الآلي أو المعروفة بالكوبوتيك cobotique.، وتكنولوجيا الطاقات النووية والطاقات الريحية وغيرها.
ومن العناصر الضرورية إن لم نقل الإجبارية في تحليل المعارك التجارية الحالية التركيز على التفوق الصيني في هذا الباب..حيث تأكد أن للصين باعا طويلا وقصب السبق في 37 من أصل 47 من هاته التكنولوجيات، وأن العشر الباقية تتوزعها أمريكا ( 7 وأوروبا 3) ودون الحديث بطبيعة الحال عن التملك الصيني للمعادن الأساسية والتي باتت تعرف بالمعادن النادرة أو الصناعات المستقبلية.
وعلينا أن نحدد درجة تطورنا في كل هاته الجوانب التي تعنينا، على ضوء ضمان السيادة وتأمين المجال الحيوي الذي يجعل القرار مستقبلا مستقلا.. ويضمن حماية القرار الوطني.
علاوة على ذلك، لا يمكن تجاوز الصراع الصادر حول صناعات الطيران التي دخلها المغرب من بوابات عديدة (لعل أهمها قطاع الغيار) والبحث عن موقع في الصناعات الفضائية( القمر محمد السادس) والصناعات العسكرية.
وهو مجال يتقدم فيه المغرب بزوايا نظر تعددية (\ البرازيل، الهند .. وأمريكا وتركيا )، ولا يمكن أن نناقش وضعنا الدولي وعلاقاتنا به دون استحضار هذا البعد، الذي يجعل دولة مثل أمريكا تطرح على نفسها الأسئلة المحرجة بل تعتبر أن جزءا من الحرب التجارية يقوم على الحرب العسكرية التنازعية مع الصين ( بعض من عتاد الحرب الأمريكي توفره معامل في التايوان موضوع الصراع الطويل الصيني، لا سيما ما يتعلق بالتكنولوجيا الدقيقة ميكروبروسيسور ).. لعل المغرب يملك في العلاقة الثنائية ما هو مطمئن، من قبيل وجود السفير ديوك بوشان الثالث له قرابة مع الرئيس، وعلى اطلاع على الملفات الاقتصادية، وانتظار. وصول فريق من 15 ولاية أمريكية حول الاستثمار في الصناعات الفلاحية، تعدد الزيارات الرسمية ذات الأبعاد الاقتصادية في مجالات حساسة منها الطاقة (بنخضرة) والانتقال الطاقي (بنعلي) والانتقال الرقمي (السغروشني) لشهر مارس لوحده .. . ومن عناصر الطمأنينة في مجال العلاقة الثنائية وجود اتفاقية للتبادل الحر هي الأولى من نوعها في إفريقيا، سمحت بامتصاص قرار الرسوم الجمركية وتطور الشراكة العسكرية ( اقتناء آليات متقدمة مثل الآباتشي وباتريوت) علاوة على كون المغرب الحليف الأول عسكريا من خارج الناتو . وهي مقومات لا يمكن أن تغفل التفكير في ما هو وراء الحرب التجارية الحالية والخوض في دلالاتها العميقة، كما أسلفنا!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/04/2025