دعوة الملك لبيدرو سانشيز في المعنى والأسلوب ومعالم الطريق

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
وضعت المكالمة التي دارت بين جلالة الملك ورئيس الحكومة الإسبانية، وتلاها بلاغ للديوان الملكي، الأسلوب والخطوات العملية والأفق الذي يجب أن تبدأ منه عودة العلاقات الثنائية، ورسمت معالم الطريق التي ستسير فيها…
1 – البلاغ الملكي، الذي جاء عشية الزيارة المزمع إجراؤها من طرف وزير الخارجية الإسباني في بلادنا، كان من قبيل الإشادة الملكية بالرسالة التي وجهها بيدرو سانشيز في مارس الذي ودعناه، وهي المرة الأولى التي يصدر فيها بلاغ من الديوان الملكي عن الرسالة وإشادة جلالته بها، بعد موقف الخارجية المغربية في حينها.
ومن باب رد التحية بأحسن منها، كان تقدير الموقف الإسباني في رسالة ستدخل، ولا شك، حوليات العلاقات الديبلوماسية بين البلدين والعلاقات بين الملكيتين.
2 – في البلاغ الملكي، تضمين يفيد الاستمرارية في المواقف بين البلدين، وذلك من خلال الإشارة إلى أن الرسالة تنسجم مع روح الخطاب الملكي في 20 غشت، وهو ما يجعل الحكم الملكي ترحيبا بحد ذاته بالتجاوب التاريخي الذي كان من الضفة الشمالية للمتوسط.
3 -البلاغ الملكي تضمن أيضا جدول أعمال المرحلة المقبلة، والتي ستعمل على تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة..وتكريس الانسجام الاستراتيجي الجديد..
ولقد استقرت الإرادة على تغيير سرعة العمل، فلم يتم اعتماد التقاليد التي تقتضي زيارات تمهيدية وأخرى بمستويات أعلى، بل واضح أن الملك يريد أن تكون البداية والانطلاقة في مستوي التحول في الموقف الإسباني وأيضا عتبة عالية للبداية في العلاقات الجديدة.
إنها إرادة في إعطاء استئناف العلاقات سرعة غير مسبوقة.
4 – جدول الأعمال لا يهم قطاعات بعينها، بل ذكر بلاغ الديوان الملكي كل الوزراء وكل المسؤولين، أي من خارج الطاقم الحكومي، وشمل منطوقه كل القطاعات وكل القضايا ذات الاهتمام المشترك، وهو ما يعني عرض مقاربة شمولية عملية، من القطاعات الوزارية والمهنية، واقتصاديا وتنمويا وتجاريا وغيرها، إلى قضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تشمل عادة قضايا دولية وثنائية وإقليمية أو ذات صلة بالجيواستراتيجية والنزاعات الدولية والأمن والإرهاب…إلخ.
ومنها التوقعات الدولية في مجالات مشتركة كما هو حال الحلف الأطلسي..
5 – البلاغ والدعوة من طرف جلالة الملك لها بعد آخر أقوى يعني بأنها امتداد للخطاب الملكي أعلاه، وكان جلالته قد قال في الخطاب: «تابعت شخصيا وبشكل مباشر سير الحوار وتطوير المفاوضات ونتطلع، بصدق وتفاؤل، إلى مواصلة العمل مع الحكومة الحالية ومع رئيسها معالي بيدرو سانشيز من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة».
وهنا نرى أن الملك ربط بين اسم السيد بيدرو سانشيز والحكومة الإسبانية والمرحلة الجديدة..
كان من المنتظر أن تبدأ مسافة الألف ميل الجديدة في المرحلة غير المسبوقة بين المغرب وإسبانيا بخطوة ألباريس، غير أن إرادة الملك استقرت على أن تكون زيارة بيدرو سانشيز انتقالا إلى سرعة أكبر واستدراكا للزمن الضائع في الأزمة في ما يبدو… ومع ما سبق ذكره، فإن سياق الزيارة الموعودة قريبا في زمن وشيك. تبقى في المحصلة الأولى هي ثمرة الموقف الداعم بوضوح للحكم الذاتي، الذي أنهى الأزمة السابقة بسبب الغموض والارتباك الجيواستراتيجي للإسبانيين إزاء القضية الوطنية..
ـ سيكون على الزيارة ترصيد المناخ الجديد بين ضفتي المتوسط، ووضع الطريق نحو المرحلة الجديدة التي أعلنتها قيادة البلدين.
في انتظار ذلك، تضع الزيارة الخاتم الرسمي على نهاية الأزمة الديبلوماسية التي هزت الثقة بين البلدين، وتعد الانطلاقة لعودة المياه إلى مجاريها بأفق جديد وعلى قاعدة مؤشرات جديدة في بناء الثقة.
لقد تحدثت الديبلوماسية الإسبانية بدقة وبإسهاب، في نفس الوقت، عن المرحلة الجديدة التي تدشنها عمليا الرسالة التاريخية لـ«سانشيز»، ثم بعد أن دافع باستماتة أمام مجلس النواب في بلاده عن الخط السياسي الجديد، وعن البعد الاستراتيجي والتاريخي لهذا المنعطف في الغرب المتوسطي وبين البلدين.
ـ والزيارة ذات العلاقة بالشؤون الخارجية، تأتي في وقت تربط فيه مدريد بين الدفاع عن سياستها إزاء النزاع المفتعل في الصحراء، واعتبارها «ضرورة من أجل علاقة أكثر صلابة مع المغرب، الشريك التجاري الرئيسي والحليف الاستراتيجي» في قضايا الأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية، والإرهاب.
ـ ينتظر المغرب، في هذه الزيارة، مقدمات المرحلة غير المسبوقة المبنية على «الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات»..كما ورد في خطاب جلالة الملك في خطاب 20 غشت الماضي..
وهي العبارات التي استوحاها بيدرو سانشيز، واستند عليها في إبراز تجاوبه العميق مع إرادة ملك البلاد والإعلان عنها في الرسالة التاريخية.. الزيارة لا تعني العودة إلى الوضع القائم السابق عن الأزمة، أبدا، بل يراد لها من الضفتين أن تكون العتبة الأولى في «علاقات تاريخية أصلب من تلك التي ظلت تطبع الديبلوماسية بين البلدين»..
ـ الزيارة تدخل في نطاق دينامية ديبلوماسية متواترة عرفتها الرباط، ومنها وآخرها زيارة مسؤول الخارجية الأمريكية »أنطوني بلينكن«، الذي زار المغرب، والجزائر، كما تأتي بعد الزيارة التي أجرتها «ويندي شيرمان» لإسبانيا قبل زيارة المغرب في بداية شهر مارس.. والتي سبقت الإعلان الإسباني في الرسالة المشهورة..
بلينكن اختتمها بإعلان واضح بدعم »الريادة الاقتصادية للمغرب إفريقيا«..وتحدث في تغريدته عن »دعم إضافي للمبادرات المغربية» !
وهو أمر لم تغب إشارته عن الإعلام الإسباني الذي عممها، كما أنه لن تخفى حكمته على مدريد الآن، وفي سياق ما بعد كوفيد 19 والبحث عن إقلاع اقتصادي شامل وفي خضم الحرب الحالية في أوكرانيا، وما فرضته من ظروف صعبة على مدريد المتضررة طاقيا من تطوراتها..
والواضح أن أجندة التعاون أوسع من السابق، وهو ما يجعل المرحلة الحالية ولادة جديدة لتعاون قديم .
وكما أن للزيارة آثارا بعيدة ومتوسطة المدى، فإن لها أيضا أجندة قريبة المدى ذات الصلة بموعد استئناف الرحلات البحرية بين المغرب وإسبانيا، والمعول عليها كثيرا في تجاوز الأضرار الاقتصادية التي خلفها التوقيف، والتدبير المشترك للعودة المرتقبة في الصيف القادم للمهاجرين المغاربة من كل أوروبا…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/04/2022