ديبلوماسية الحدث وقواعد اللعب: الفارق الذي يصنعه المغرب.. (1)

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
شكلت نهاية الصيف لحظة لثلاثة أحداث تهم المغرب، تكون النظرة إليها سلبية أو إيجابية،أو حيادية حسب زاوية المعالجة…
الحدث الأول هو ما وقع بأمريكا اللاتينية، من جهة عودة اليسار الراديكالي في كولومبيا إلى حبه الانفصالي، وإعادة العلاقة مع كيان الوهم، في تزامن مع حادثة الموظفين في سفارتنا هناك وما خلفاه من أسئلة . الحدث الثاني يتجلى في كون القارة كانت إضافة إلى ذلك، مسرحا لاعتراف البيرو بالسيادة الوطنية …
وإذا كانت أمريكا اللاتينية، عموما تنتمي إلى دائرة الدول التي يتوجه إليها المغرب من أجل تنشيط الاعتراف بالسيادة الوطنية الأولى، عبر فتح القنصليات أو عقد مؤتمرات للهيئات السيادية لدولها (برلمان الكاريبي مثلا(، فإن الحدثين يعطيان انطباعا بأن هناك توازنا، من حيث الحدث ومن حيث المتابعة الإعلامية المشروعة له ..
في الجانب الآخر، نجد الحدث الذي وقع في تونس مع التيكاد وقمته (8) .. وهنا ظهر وكأن المغرب »فَقَد« ساحة محايدة لفائدة انزياح ديبلوماسي داعم للانفصال..
وفي المقابل كانت القاهرة، ساحة لحادث ثالث، ومختبرا لمواقف خرج المغرب منها رابحا على مستوى كبير للغاية في كل القضايا التي اعتبر مساهمته فيها مرجعيةً في عمله وفي عمل المؤسسات العربية، أوفي تحالفاته العربية – العربية..
وهذا الجرد الآني يفرض علينا أن نقارب الوضع من زاويتي الثابت والمتحول ، أو إذا شئنا القول من زاوية الحدثيevenementiel ومن زاوية قواعد اللعب، وإليهما نريد أن نؤثر فيه ونحدد وجهته؟
القضية الوطنية عمرها قرابة نصف قرن، وقد قطعنا بها عوالم من الديبلوماسية، ما بين الحرب الباردة والحرب الساخنة وتقلبات الأقاليم شرقا وغربا، في المتوسط وفي القارة، خبرنا بها القطيعة السياسية، وديبلوماسية التفويض، كما جربنا فيها التعامل الحذر والتعامل الحاسم معا..
ومن حقنا أن ننظر للقضية في ديمومتها الزمنية.
وكان الثابت فيها تحركنا على مبادئ الدولة ـ الأمة، كما استندنا إلى قاعدة السيادة، وتاكتيكات موازين القوة، باعتبارها تعابير ديبلوماسية تحكمت في العالم، ولاسيما في الفضاء الغربي الأوربي، الذي كانت الأوطان فيه عرضة لتجارب التاريخ القاسية… كالحروب العالمية…
وقد كان نصف قرن كافيا لكي ترسو القضية على ثوابت وتحولات، أو على ثنائية قواعد اللعب ـ الحدث تقاس المواقف بناء على جدليتهما أو تفاضلية بينهما…
ومن هذه الزاوية يمكن أن نقرأ الذي وقع في تونس، كحدث سلبي، لكن عندما ننظر إليه من زاوية القواعد التي يتحرك من خلالها المغرب، عدم الاكتفاء بالحدث والرد عليه، والذهاب بالمنطق إلى ما هو أبعد، فسنقرؤه من زاوية القاعدة التي يثبتها المغرب في تحركاته المماثلة…..
وهنا يكون الدرس الأول ليس هو الوقوف عند الحدث في حد ذاته، بقدر ما يكون جوهر الرد الديبلوماسي هو كيف يمكن أن نؤثر في كل العلاقات ذات الطبيعة المماثلة لمؤتمر »تيكاد«، ومنها المؤتمرات القارية مع الهند والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، بحيث يعرف الجميع أن المغرب، أصبحت له خطوط حمراء ولا يسمح فيها بسوابق أو بتساهلات» يتعايش معها ويتعايش معها الآخرون«.
وهنا لا ننظر إلى تونس قيس سعيد وما اقترفته لوحده، بل ننظر إلى ما قامت به اليابان من بعد..! وإصرارها على حماية العلاقة مع المغرب عوض التماهي مع قرار تونس.
وقد تبين، من خلال ما سنته بلادنا وعبر عنه ملك البلاد من قواعد في التعامل مع قواعد اللعب الأممية، أن البلاد تحرز أهدافا جيدة.
قد نخسر معارك بعينها، ونربح أخرى، نقيس بمستوى ونسب الربح والخسارة كم تقدمنا وكم سنتقدم على طريق تغيير قواعد اللعب بما يفيد قضيتنا، وليس بكم أنهينا هذه المباراة أو تلك..
في التقدير العام لا يجب أن يكون الحدث أكثر من مؤشر قراءة لما نحققه من تحولات غير مسبوقة .
وفي ذلكم هناك مقاربتان:
المقاربة التي تركز على الاعتراف الواضح والعملي بالسيادة، من خلال الاعتراف العلني الدولي، كما في حالة الولايات المتحدة، أو الاعتراف عبر فتح القنصليات والتمثيليات في الأقاليم الصحراوية المغربية، أو من خلال الاعتراف بالحكم الذاتي كحل وحيد أو كحل أمثل أو كقاعدة لحل جيد و«مسؤول..
وعلينا أن نقيس مردودية الديبلوماسية من هذه الزاوية بالتحديد..
وفي سياق القياس ذاته، وبناء على ما سبق منذ نصف قرن من المشكل المفتعل، يمكن القول مع الثعلب هنري كيسنجر. »لا يمكن أبدا أن نثبت أن سياسة أخرى يمكنها أن تعطي نتائج أفضل، اللهم إذا تجاوزنا ما حصل وما تحقق إلى ما هو أفضل«..
الآلة الديبلوماسية كبيرة للغاية، وفي الغالب قد تستقر فلسفتها في» العمل على ضمان سيرها وإدارتها أكثر من تعريف وإعادة تعريف دورها»..والحال أن الاحترافية التي تصبو إليها المملكة صارت، في تقدير العبد الضعيف لرحمة ربه، تركز » على الفعل التقني المهني الحرفي. بدون إغفال الحكم السياسي«..
الكثيرون لم يعتادوا، لأن الأمر كما قال هنري كيسنجر في تعريف الآلة الكبيرة للحكومة، غالبا ما يشجع على الاحتفاظ بالوضع القائم كما هو لأنه بدوره يتميز بالحفاظ على وضع معروف ومألوف بطريقة لا يمكن معها أبدا إثبات أن سياسة أخرى يمكنها أن تعطي نتائج أفضل.. اللهم إذا وقعت كارثة كبرى..
ولقد تغيرت أشياء في ارتباط مع القضية الوطنية منذ مجيئ جلالة الملك إلى الحكم. ليس فقط في العلاقة بين المغاربة والقوى الحية، بالقضية، بل أيضا في قراءة متغيرات العالم وبناء الشراكات فيه، على قاعدة الموقف من القضية الوطنية.
لقد تغيرت أشياء كثيرة في الوعي، وجرت مياه كثيرة تحت الرمال .
سواء على المستوى الأممي أو على مستوى القارة، أو على مستوى القضية الوطنية أو على مستوى حضور البوليساريو نفسه كـ«فاعل» ـ واجهة لقوى إقليمية معروفة …
وهناك المقاربة الثانية التي تطرح السؤال التالي : كم من فضاء لنا مازلنا لم نحقق فيه الاختراقات الضرورية؟
.. ويحسن بنا أن نتمهل في طرح الأسئلة كما في تقديم الأجوبة، قبل تحديد مجالات الفعل ذي الصلة بالقضية الوطنية:
ـ على مستوى الأمم المتحدة ودورها
ـ على مستويات حقوق الإنسان وآلية المينورسو
ـ على مستوى وجود البوليساريو
ـ على مستوى الهيآت والأفراد والمبعوثين ..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/09/2022