رجل لم تنطل عليه… السلطة!

عبد الحميد جماهري

يمكن أن نلخص حياة الرجل الطيب في المشاعر الانسيابية الطيبة التي تتجمع حوله، مثل مياه شروب حلوة وسط بيداء، هكذا يكون الحال معنا نحن والرجل الأصيل الطيب السي بوشعيب فقار.
كما يمكن أن نميل تجاه المنارات التي لمعت طوال مسيرته المهنية ومهامه التي دَرِبتِ الحياة على أن تعدها لنا ..مثل أفخاخ جميلة، ينجح فيها الطيبون أيضا والأقرب منهم إلى الناس، فتنضاف الطيبوبة إلى الحرفية والنجاح المهني..
يمكن أيضا أن نربط بين الاسم ومهام عديدة في تاريخ الإدارة الترابية، لكن الأقرب إلي ، في هذه الشهادة التي لست أفضل من هو مؤهل للادلاء بها، هو الرجل الذي تشرفت بلقائه في ضواحي المقدس المغربي، بجوار مؤسسة مسجد الحسن الثاني وتراني أجتهد في تقديم رجل بسيط ومركب سهل وممتنع، فريد ومتعدد في العلاقات وفي الحديث وفي الاهتمامات وفي القدرة على تدبير الثابت والمتحول في حياة ما سميته مرة معملا حضاريا كبيرا وخزانا مترامي الأطراف للإيمان في العصر الحديث، وهو مسجد الحسن الثاني…
تناهى إلي الاسم أول مرة، منذ الزمن الأول لي في الدار البيضاء … تناهى إلي في ذلك الحيز الصعب في لقاء السياسة بالسلطة الترابية، لم يكن وقتها لرجال السلطة سمعة طيبة لدى المعارضين ولم يكن للمعارضين صيت هادئ لدى رجال السلطة، لكن أذكر أن اسمه كان يثير همسا هادئا وترتيل المديح لرجل ليس ككل رجال السلطة في مدينة منذورةٍ للعنف والتضاد .. وفي تمارين كسر العظام..
لا أدعي أنني أعرف أكثر مما روي لي عنه ، عن علاقات كانت له مع أسماء السياسيين في البيضاء من يسار ووسط ووسط الوسط، في إيقاع يفرض على رجل السلطة أن يتحرك بحيطة كبيرة.
سأستمتع برفقته من بعد في محراب آخر: الإشراف العلمي والإداري والهندسي على معلمة المرحوم الحسن الثاني في مسجده..
في أول لقاء سيكون لي معه، وقد شرفني بإطراء جميل أحفظه له في القلب والذاكرة، خرجت وأنا أردد:»هذا رجل لم تنطل عليه السلطة.. ورأيته كمن يخرج من قفص كبير إلى رحابة الحرية، وصار يعرف الكثير عن تفاصيل الزخرفة المغربية والأثر الفني العريق…
لا يفعل بوشعيب فوقار ذلك كامتداد لالتزام مهني وإداري بل يتعداه إلى تدقيق في وظيفة الدار البيضاء نفسها، هو الذي يمازح الجميع بالقول إن لوبي أبناء الحي المحمدي هو أكبر لوبي في التاريخ، والعالم… يدرك أنه منذور، في هذه المهمة، لأن يملك فراغا كبيرا، على ساحل مدينة مجنونة، هائمة قوية . كبيرة . دولية.. فيها نبع هويات البيضاويين، ومخدعهم الإنساني الذي يركنون إليه ليحددوا انتماءهم، ويجددوه، ويدرك أن عليه أن يحسن وراثة فكرة عاقلة وغير مسبوقة لصاحب حقوق التأليف الروحي فيها، المرحوم الحسن الثاني ورعاية امتدادها مع وارث سره.. وهو يدرك أن هندسة إمارة المومنين لها في هذا الركن من المملكة منبر موجود للخلود..
وهو يفعل ذلك كله ببساطة إنسانية وعمق معرفي، وهي وظيفة لعمري كما يحب حسن نرايس القول ليست سهلة ولا معطاة..إنه الوفاء التام لروح المغرب في حضارته وفنه وعراقته وروحانياته العميقة.. لقد تتبعت دوما، وقدر المستطاع، عمله في المجلس الإداري لمؤسسة المسجد، وتابعت نقاشاته مع المسؤولين من كل الإدارات والخبرات والقطاعات، وفاجأت نفسي مرارا منبهرا بهذه القدرة على أن يجد لكل كلام صنوه ولكل سؤال جوابه، مع أريحية تغطي الحضور في وكل لقاء.. في الحديث عن التوازن المالي بالدقة نفسها التي يتحدث بها عن الخطوط والمنحوتات والأقواس والأبواب والعتبات وعن الجامور ومصير الحمام بين الزخرفات وترويض الحديد في جنبات المسجد… وهي مناسبة لتقديم السلام لكل طاقمه العالم والمدرك،ختاما ، نحن نعرف الذين يؤسسون المساجد والقباب …فقد أتاحت لنا حضارة التخليد أن نكرم اليوم واحدا من الذين يحفظون للمكان وجوده وللحضارة معالمها، وفي شخصه نكرم كل الذين حافظوا لنا على القرويين والمنارة وحسان.. فيه جيناتهم وفيه طينتهم وفيه تكريمهم..
لن أغفل دعمه للكتابة والكتاب وتحويل محيط الأطلسي إلى محيط للإشعاع الثقافي ولقاء العقول النيرة والسير على نهج من حافظوا للنبوغ المغربي على مبررات الوجود. شكرا.
مقتطف من كلمة تكريمية مساء الخميس الماضي في رحاب «جمعية فنون وثقافات» التي أقامت حفل تكريم لمحافظ مسجد الحسن الثاني السي بوشعيب فوقار، وقد شرفني الدكتور زهير قمري والصديق الجميل حسن نرايس بدعوتي إلى هذا المحفل الإنساني البهيج .

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/07/2022