رحيل بلفقيه: الثقة كمأساة سياسية!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
جاءت الفاجعة التي راح ضحيتها صديقي عبد الوهاب بلفقيه لتثبت من جديد مقولة الصحافي والكاتب الفرنسي «دريو لا روشيل»، ومفادها أن مأساة الصداقة بين الناس، هي كل قلب السياسة!
بالنسبة لي هناك تعالق بين حدة الشعور بالألم وبين السياسة بسبب صداقة غير مستمرة في الزمان والمكان،لكن حدث أن كانت وتركت بصمتها الانسانية في اعماقي.
والصداقة هنا، لا تعني بالضرورة علاقة قَدَرية طويلة الأمد بقدر ما تعني نوعا من العلاقات التي تربط أفرادا ما في لحظة يعتبرون فيها أنهم صاروا أصدقاء، في مهب الحياة السياسة ، وبفعل مصادفاتها أو حتميتها.
هناك مأساتي الشخصية،باعتبار أنني ارتبطت بقدر غير قليل من المودة مع الفاعل السياسي، والمناضل السياسي ، والراحل السياسي في زمن انتمائه إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
رجل دينامي، صبور، حيوي، ولا تنقصه هشاشة داخلية يعبر عنها بالمودة حينا وبالخجل حينا آخر وبانفعال غاضب محبب، في الكثير من الأحيان..
اختلفنا في تقدير المرحلة، من عمرنا ما بعد 2016، في الحزب
واتفقنا في الكثير من المعطيات والتحليلات،
ولم يسق لي أن اعلنت عن ذلك من قبل.
ظل في سفينة الاتحاد إلى آخر لحظة قبيل الانتخابات الماضية
انتقل الى حزب آخر،ليحرث رمال بوابة الصحراء لفائدته..
وكان الذي كان..
لا أميل هنا الي النقد الاديولوجي بين الأحزاب، كما قال عبد لله العروي، اريد فقط أن ألتمس التحليل السوسيولوجي من خلال الصداقة في تحديد السياسة.
فالراحل رجل من باعمران، ثار حوله لغط كبير ووجد نفسه في لحظة سياسية عصية، ما بين اليأس والغدر، بِلُغتِه هو..
وجثمانه اليوم،سيطل على كل صناديق الاقتراع، وسيظل قربها ايضا!
ورحيله سيظل دوما بالقرب من التصويت على رئيسة الجهة بكلميم وادي نون..
في حياته كما في مماته، يتداخل الفردي الانساني بالجماعي السياسي بما يُعرِّف هذه المرحلة، في حوليات التاريخ المحلي أو التاريح الوطني في فترة فارقة..
في رسالة رحيله، هناك ثلاثة مستويات، حادة واشكالية:
* إعلانه الاعتزال السياسي
** اعلانه وجود غدر
*** الخروج عن ميثاق الثقة الذي ربطه مع أناس، نحدسهم ولا يفضحهم.
المهم استخلاصه هو أنهم أصبحوا محط ثقته
وبذلك تصبح الصداقة مكانا سياسيا
ومكانا لكل ما هو سياسي…
وكان من المممكن أن يكتب رسالة لـ «رحيله الذاتي» غير هاته، لو كان شعوره بضرورته قائما أو مفكرا فيه كما فكر في الاعتزال السياسي والابتعاد عن حقل جماعي تنقصه الثقة
حقل فتح الطريق للغدر بدل الوفاء ودوام الصداقة..
في الصداقة السياسية، تكون السياسة بِنية هوية، بالنسبة للفاعل السياسي ونوعا من العلاقة مع الذات، وبالتالي عندما تتكسر العلاقة معها تتكسر العلاقة مع الهوية…
وقد يحدث الضياع!
وليس كل الناس في وضع قادر على تجاوز الرجة التي تحدثها القطيعة، لا سيما اذا كانت مرتبطة بثنائيات تراجيدية مثل الثقة / الغدر والخيانة / الوفاء..
من منا لم يعش ذلك الشعور الرهيب بخيانة من تعاقد معهم او خيانة اخوانه او غدر الاقربين؟
وعندما يكون الغدر في ساحة السياسة يكون إعلانا بالاعدام. واغتيالا رمزيا لا يختلف عن التربط واطلاق النار!
وهذا الاحساس يرويه درويش في جداريته الملحمية «الظل العالي»:
وحدي فوق جدار المدينة واقف..
أيوب مات
وماتت العنقاء وانفض الصحابة…!»
لقد قرر بلفقيه وضع حد لنشاطه السياسي
ومن يقرأ بلاع النيابة العامة يشعركما لو أن ذلك كان مقدمة لوضع حد لحياته جملة وتفصيلا.
غير أن الرحيل الفاجع، لا يقبل الاختزال في جمل منضودة واثقة من نفسها وقاسية مثل مسدس ازاء الغائب..
هناك ارتباط،يفوق الارتباط الجنائي بالرحيل، انه ارتباط دلالي، بين ظروف سياسية ملهبة وملتبسة ورهيبة وبين الموت الفجائعي لإنسان، أب وأخ وزوج وعم ….
هنا اليوم المشهد التالي:
جنازة في هذا الفضاء
وتصويت رئاسة في الفضاء المجاور له..
وبنيهما صداقة سياسية للراحل مع اصحابه الجدد لم تحصنه من شراسة القتل السياسي ولا من شراسة إحساسه الرهيب الغدر!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/09/2021