رحيل جاك دولور، الأوروبي الاشتراكي الذي أشرف على تدريب جلالة الملك

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

اشتهر الراحل جاك دولور، الذي غادرنا عن عمر يناهز 98 عاما، بكونه أحد البناة الرئيسيين للاتحاد الأوروبي، ومن الأوروبيين من يعتبره هو الباني الرئيسي لهذا التكتل، وفي سيرته طغت قيم إنسانية عالية لعل أكثرها هو الوضوح في الموقف والنزاهة الفكرية ونظافة ذات اليد.
الرئيس الأسبق للمفوضية الأوروبية، هو المعروف بأنه أب «اليورو»، العملة الأوروبية، وأحد أكثر شخصيات اليسار الفرنسي، شهرة، هو المنحدر من أسرة متواضعة، والمزداد في 20 يوليوز 1925 ..
عندما منح المجلس الأوروبي جاك دولور لقب «المواطن الفخري لأوروبا»، كان ذلك تتويجا لحياة وحدوية قدم لها عصارة عمره، فهو قد بدأ مساره الأوروبي في 1979، لما انتخب عضوا في البرلمان الأوروبي عن عمر 54 عاما، وترأس لجنة الشؤون الاقتصادية والنقدية بالجمعية الأوروبية حتى العام 1981، قبل أن يتم تعيينه وزيرا للاقتصاد والمالية والميزانية في حكومة بيير موروا، حيث شارك في الإدماج الأوروبي للسياسة الاقتصادية الفرنسية.
وفي 1985، عاد إلى العاصمة البلجيكية حيث أصبح رئيسا للمفوضية الأوروبية، وشغل جاك دولور هذا المنصب لمدة عشر سنوات.
وشهد دولور انبثاق السوق الموحدة، وإطلاق الاتحاد الاقتصادي والنقدي الذي أسفر عن اعتماد اليورو، وبدء الحوار الاجتماعي الأوروبي، وبرنامج «إيراسموس»…
وأضحى هذا الاتحاد الاقتصادي والنقدي العنصر المركزي في معاهدة «ماستريخت»ـ الإصلاح الأوروبي الجديد الذي عمل على بلورته جاك دولور، والذي دخل حيز التنفيذ في فاتح نونبر من العام 1993، قبل سنتين من انتهاء ولايته.
دولار هو والد الاشتراكية مارتين أوبري، الرئيسة الاشتراكية لبلدية ليل والوزيرة السابقة وزعيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهي التي كانت أحد الأسباب لعدم تقديم ترشيحه لنفسه في رئاسيات 1995، وعلى الرغم من شعبيته وتشجيع الحزب الاشتراكي، قرر جاك دولور عدم الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 1995، ومن بين الأسباب التي ذكرها، سنه، وكذا الحياة السياسية الناشئة لابنته مارتين أوبري.
وهو في تقدير كتاب السيرة السياسية لم يكن من نوع السياسيين الذي يكيفون ويبرمجون حياتهم على مقاس المنصب أو المكانة التي يسعى إليها.
ولعل الأجيال الفرنسية السابقة تذكر كيف أنه في برنامج سان كلير 7 على 7 الشهير، اختار في لحظات البرنامج الأخيرة أن يشيح بوجهه عن المحاورة التلفزيونية كي يخاطب الفرنسيين مباشرة أمام الكاميرا» «لقد قررت عدم ترشيح نفسي للانتخابات الرئاسية».
المغاربة، وعلى رأسهم جلالة الملك، لهم تقدير خاص لهذا النموذج الإنساني..
فهو كان من الذين أطروا تدريب جلالة الملك، في مرحلة ما، بعد التحصيل الأكاديمي..
وفي حياة جلالة الملك مرحلة ما بعد نيل الدكتوراه في القانون، حيث نال في يوم 29 أكتوبر 1993، شهادة الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا، من جامعة “نيس صوفيا آنتيبوليس” الفرنسية، إثر مناقشته أطروحة في موضوع «التعاون بين السوق الأوروبية المشتركة واتحاد المغرب العربي»…
وتقول السيرة الملكية إنه «من أجل استكمال تكوينه والاحتكاك بتطبيق مبادئ وقواعد القانون التي تلقاها في الكلية، أجرى جلالته تدريبا لبضعة أشهر خلال سنة 1988، ببروكسل بديوان السيد جاك دولور رئيس لجنة المجموعات الأوروبية بالاتحاد الأوروبي آنذاك»…
وكانت علاقة الملك الراحل الحسن الثاني مع دولور قد تجاوزت الطابع السياسي إلى الطابع العائلي، كما سبق لجلالة الملك أن استقبل مارتين أوبري، في المغرب في سنة 2012، بالقصر الملكي بالرباط، وقتها صرحت ابنة دولور بأنها ناقشت مع جلالته مجريات ما بعد خطاب 9 مارس الإصلاحي، والقضايا الدولية ومنها العلاقات في المغرب الكبير، وقد كانت وقتها مرشحة الاشتراكي
الفرنسي للرئاسيات منافسة مع فرانسوا هولاند.
وكانت هي نفسها ككاتبة وطنية للاشتراكيين قد وقعت مع الاتحاد الاشتراكي اتفاقية تعاون، في تلك الفترة.. وزارت مقر الحزب…
لقد ظل يؤمن بجدوى السياسة حتى وهو يعلم بأن لها وجهين، وقد كتب في مذكراته بـ «ليبراسيون الفرنسية» أن «وحده السياسي، بوجهه المزدوج، الملاك والوحش، يتيح للإنسان أن يصل إلى التحكم في قدره».

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/12/2023