رحيل عبد المجيد بوزوبع: بورتريه يغلب عليه القلب..!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

كان اختياره واضحا: في السياسة وفي الطب وفي الحياة..
انحاز يسارا، كما ينحاز القلب، كمكان طبيعي، واختار القلب، كما يكون حال من يرعى الأرواح في نزعاتها…
وفي الحياة أكثر:
يعرف وحده تأويل القلوب، وهي تغمز بغمزات لا يدركها المرضى..
لهذا ليس هناك مدخل، يمكن أن نمر منه من وفاة الراحل عبد المجيد بوزوبع إلى حياته، غير القلب، معبر الحياة ومعبر الرحيل معا…
كان القلب، علما وطبا وموطنا للمشاعر، هو موطنه الدائم، وهو أيضا العتبات العديدة التي طبعت مساره في الصراع وفي التوافق …لما اختار مهنة الطب وتخرج منها في منتصف السبعينيات، 1974، كان الأمر يبدو طبيعيا للكثيرين من رفاقه، هم قلة وقتها المغاربة الذين اقتربوا من مهنة النبلاء…
لكن ربما كان الوحيد الذي شعر بأنها ستكون ميزان التوافق والصراع في حياته كلها.
لهذا عندما تخرج طبيبا في القلب والشرايين، كانت الدولة وقتها ترى أن مكانه الطبيعي هو إلى يمينها، ولما رأته يختار موقع القلب من الجسد، اليسار، انزعجت بلا حدود…
كان حديث العهد بمهنة تعادل في مغرب القرن الماضي ، العثور على كنز علي بابا، لكنه، كغير قليل من الأطباء، التحق بصفوف النقابة المناضلة والحديثة العهد بدورها بالوجود (الكدش).
كانوا يستغربون، ثم يطاردونه بين المدن، لا سيما الرباط والدار البيضاء…
ولما اختار الموقف الذي أملاه عليه قلبه أيضا، في مساندة إضراب 1978 في الصحة، كان يوقع، في واقع الأمر، عقدا مع نضال لن ينتهي إلا بموته…
طرد كثير من رفاقه، كانوا في طور استكمال المهنة، منهم من غير التخصص ومنهم من اتجه إلى فرنسا لاستكمال دراسته، ومنهم من بقي في جدول المعركة المصيرية للديموقراطية في انتظار الانفراج…
هو أصبح الشيطان الذي يجب محاربته في مستشفى ابن سينا في الرباط…
ولما اندلعت أحداث 81 وجدته في باريس لاستكمال الطب في القلب..
أنقذه القلب إلى حين، ثم وهو يعود، كان عليه أن يستفتي قلبه..وأفتاه قلبه بأن النقابة التي تم اعتقال قيادتها وشمعت مقراتها وشرد مناضلوها وطوردوا وسجنوا لا بد من أن تحميه من تشمع الدولة الفيروسي…
وقررت (كدش) الاحتفال بفاتح ماي، السلطات العمومية، كما كان يقول في لغة مرتبة بعناية في لسان طبيب القلب، والدولة في لغتنا المتهة*********** والفوضوية، قامت بالمنع وصادرت حق الكونفدرالية الديمقراطية في الاحتفال بالعيد الأممي…
بوزوبع ورفاقه قرروا تنظيم ندوة صحفية في ماي 1982، ولما كان يقرأ التصريح الصحفي باسم المكتب التنفيذي خلال الندوة الصحفية، سيتم اعتقاله من داخل القاعة أمام حضور يتكون من خمسين صحفيا ينتمون للصحافة الوطنية والدولية، ليليه الحكم بالسجن…
من فصول قلبه أن القلب قاده إلى صراع مع الدولة: فقد كان هو النقابي القريب من مرضى شعبه وقلوبهم، وكانت الدولة غير راضية، في مستشفى ابن سيناء كان يواجه، في معركة تناقلتها وسائل الإعلام وشكلت مادة للأحاديث السياسية، الطبيب الرئيسي ابن عمر، هو الذي اشتهر أيضا بصداقة طبية مع المرحوم الحسن الثاني، وأيضا مع إدريس البصري، عطفا واستمرارا.
قاده قلبه إلى الصراع، فعوقب بأن تم عزله في مكان قصي.. ولم يعد يسمح له بلقاء المرضى الزائرين أو المعالجين إلا في أوقات خارج أوقات العمل، مما كان يضطره إلى المجيء إلى المستشفى مع طلوع الفجر..وأذكر ، وقتها بالناظور كان أحد المناضلين يريد زيارة الدكتور بوزوبع قصد فحص طبي على القلب، وقد فوجئت لما أعطاه موعدا في فجر اليوم، بعدها سيفسر لنا الإخوان بأنه مضطر لأنهم فرضواعليه ذلك، تحت قوة رئيس الجراحة والطبيب الخاص للملك الراحل الحسن الثاني……
كان ينتظر قلوب المرضى فجرا، كما لو أنه ينتظر محرابا، سقاه بالصلاة والتبتل.
بقلبه لا بيد الجراح ، كان يترقب وصولهم.
قليلون من يفعلون ذلك، صحيح؟
قليلون أيضا من اعتقلوا وواصلوا إعطاء الدروس في الزنازن لرفاقهم الذين سبقوهم بالسجون…
كان لاعتقاله تفاصيل قصصية: يحكي المناضلون في سيرته أن ملفه تم تداوله، كرجل مزعج يختار ما يزعج السلطة بين الملك الراحل والوزير القوي الراحل إدريس البصري، وكان من مكر الوزير القوي أن قال في معرض سيرته: هذا الطبيب يسبب مشاكل عديدة، ومنها ندوة صحفية بعد منع (الكدش) من الاحتفال بفاتح ماي، تقول الرواية الشفهية عن تلك الفترة إن الملك الراحل، رحمه الله، قال لإدريس البصري:»اش كاتسناو …ما زال«؟
و كان الذي كان واعتقل الفقيد، ولما ألحقوه بإخوانه، كان يصر على أن يواصل مهامه ويعطي الدروس الصحية للمعتقلين !…
ويقال أيضا إنه، في تلك الثمانينيات البعيدة، كان عدوا لذودا للتدخين…
في الطب أيضا، كانت لغته بليغة، كما كتبها المرحوم عبد الجبار السحيمي: كان الطبيب قد شارك في مؤتمر طبي بالقاهرة حول شؤون القلب وشجونه، وكان تدخله بعربية فصيحة، أدهشت الحاضرين، دفعت بالأديب المتفرد، عاشق اللغة العربية لأن يتخذها دليلا على قدرتها على العلوم الحديثة، في شأن دقيق جدا كالقلب المريض…
في السياسة، أحيانا تسقط أوراق ميتة، نسميها عادة الخيبات من الرفاق ومن الذات.
في كل الخيبات يستشعر المناضل يأسه في المواقف وفي اللغة، وكان عبد المجيد يستشعره في شجرة في القلب…
قد لا نذهب إلى رؤيته متفقين وواضحين، لكننا نثق في قلبه،
في السياسة قد لا يسعف القلب كمفردة في قاموس التداول أو الصراع، لكنه قد يسعف كثيرا في فهم الخالد في العابرين…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/09/2020