ردا على حفيده والرئيس تبون هذا ما قاله مانديلا في مذكراته عن الرباط ووجدة!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

تزايدت مظاهر البافلوفية الرعناء على السلوكات الجزائرية النظامية، وأصبحت سياسة الدولة المجاورة تميل إلى نزعات بدائية محكومة بشرطية عدوانية تحيلنا إلى تلك التجربة الشهيرة التي قام بها العالم الشهير بافلوف.
ولا تقف غرابة النظام عند العلاقات الثنائية وما يرتبط بها، بل تسعى دولة العسكر إلى الزج بها في أي محفل قاري أو إقليمي تحتضنه.
ما يقع اليوم مع حفيد مانديلا، ليس هو أن يستغل الولد العاق اسم جده ويحوله إلى منصة للعداء للمغرب ووحدته ويدعو إلى ترهيب الجيران وتهديدهم بالحرب، بل يسعى إلى تحويل «الشان» إلى مناسبة ضد المغرب.
وقد تجاوزت الأعراف الرياضية، وحولت الافتتاح إلى لحظة للعداء بالوكالة على لسان حفيد أحد كبار الأفارقة الذين احتضن المغرب قضيتهم.
وهو السلوك نفسه الذي قامت به الجزائر العسكرية في القمة العربية عندما أرادت، بكل ما فيها من خبث سياسي، أن تفرض على القادة العرب ما تريده من هذه القمة، في تحجيم حضور المغرب وعرقلة حيويته داخل المؤتمر وتقليص وفده الإعلامي والتبخيس المقصود لديبلوماسية استقباله.. وكل ذلك، بعد أن فرضت عليها العواصم العربية أن تخفض من مستوى أوهامها حول القمة.
لقد أفشلت القمة التي أرادت أن تجعلها بوابة تاريخية لعودة مفترضة إلى الساحة العربية، ومن ثمة إلى الساحة الدولية، ولم تجن من ذلك سوى الخيبات، ومع ذلك لم تستخلص الدروس التي يجب أن تستخلصها.
ونفس الجينات تتحرك اليوم، ففي مناسبة «الشان»، الذي سيكون له ما بعده، نفس العدوانية ونفس التوظيف والتسخير الحقود لمناسبة قارية.. ضد المغرب.
نحن أمام عداوة مُهيْكلة لسلوك نظامي ضد المغرب، لا تراعي حتى أبسط شكليات التنظيم في مثل هذه الحالات القارية. ..
أما عن مانديلا، فقد حوله حفيده إلى رمز غياب عن تاريخه عندما تنكر له، وعندما كذب الرئيس تبون على تاريخ علاقته بالجزائر، فقد منح الديكور الذي يليق بعدوانية الحفيد، لأن العدوانية المدفوعة الأجر من رجل اشتهر بمجونه وفرقعات الجنس الفضائحية، لا يناسبها سوى الكذب الرسمي.…
لقد تحدث تبون عن زيارة متوهمة لمانديلا إلى جزائر بن بلة، والحال أن من بين لحظات لقاء مانديلا وبن بلة، هي التي تمت في… المغرب (انظر صورتهما مع الفقيد اليوسفي)…
كان على الرئيس الجزائري أن يكون أكثر حيطة وهو يدخل التاريخ، من باب كفاح شعب جنوب إفريقيا بقيادة مانديلا، لأن الرجل تلقى في المغرب ما سجله في كتابه هو شخصيا.
وقد تشرف هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه بترجمة الكتاب عند صدوره بعنوان «الطريق إلى الحرية» في منتصف التسعينيات..
يقول مانديلا عن تلك الزيارة التاريخية وعلاقة المغرب بحركات التحرر ما يلي :«بدت لي الرباط، بالمغربية، بجدرانها العتيقة والغامضة ومجالاتها الأنيقة وصوامعها القروسطوية، مزيجاً يجمع إفريقيا بأوربا والشرق الأوسط. ويبدو أن جنود الحرية كانوا يعتقدون نفس الشيء، ذلك لأن الرباط كانت ملتقى كل حركات التحرر في القارة تقريباً، فقد التقينا هناك بمناضلين من موزامبيق وأنغولا والجزائر وغيرها، كما كان يوجد بها مقر القيادة العامة للجيش الثوري الجزائري. وقد قضينا أياماً عديدة بمعية الدكتور مصطفى، رئيس البعثة الجزائرية بالمغرب الذي حدثنا عن المقاومة الجزائرية لفرنسا.
وقد كانت الوضعية في الجزائر تمثل بالنسبة لنا النموذج الأقرب إلى وضعنا، لأن المتمردين كانوا يواجهون جالية مهمة من المعمرين البيض الذين كانوا يحكمون أغلبية من الأهالي.
وقد شرح لنا الدكتور مصطفى كيف أن جبهة التحرير الوطني قد بدأت المقاومة ببضع عمليات سنة 1954، بعد أن شجعتهم هزيمة الفرنسيين بديان بيان فو بالفيتنام.
وقد كانت الجبهة، حسب ما قال لنا الدكتور مصطفى، تعتقد بإمكانية هزم فرنسا عسكرياً، ثم وعت بأن الانتصار العسكري الصرف مستحيل، لهذا لجأ المسؤولون إلى حرب العصابات، لأن هذا النوع لا يهدف إلى الانتصار عسكرياً، بل تحرير القوى الاقتصادية والسياسية التي يمكنها إسقاط العدو.

بعد ثلاثة أيام، أرسلنا إلى وجدة، المدينة الصغيرة المغبرة قرب الحدود الجزائرية ومقر القيادة العامة لجيش التحرير في المغرب. زرنا إحدى وحدات هذا الجيش على الحدود. وفي لحظة ما من زيارتنا، أخذت منظاراً ورأيت جنوداً فرنسيين على الجهة الأخرى من الحدود، وأعترف بأنني اعتقدت بأنني أرى بذلات قوات الدفاع في جنوب إفريقيا.
بعد مضي يومين، دعيت لحضور استعراض عسكري على شرف أحمد بن بلة الذي كان قد خرج من السجن.
ومن المغرب، قطعت الصحراء جواً باتجاه باماكو، عاصمة مالي، ومن هناك ذهبت إلى غينيا، وصلت بعدها سيراليون، وقد وصلتها وبرلمانها يعقد دورته، فقررت الحضور “.
إلى جانب ما سجله الزعيم القاري في مذكراته، وقد اقتطفنا منها القليل فقط، هناك فيديو للمناضل الأسطوري وهو يحتفل بمناسبة استقلال بلاده، وإلى
جانبه الدكتور الخطيب، رحمه الله ، وقد تحدث عنه وعن المغرب وعن السلاح، ولم يكن من بين الحاضرين من يزعم حفيده أنهم قادة التحرر في إفريقيا…
لقد تعامل المغرب إلى حد الساعة باحترام العقل والجوار والتاريخ، وعندما كان يستوجب الرد، كان رجل واحد فقط، ناصر بوريطة، قادرا على زعزعة ثقتهم الرعناء في أنفسهم بل أسقط في يدهم، ولم يستطيعوا إلى حدود الساعة تفعيل أي مبادرة من مبادرات ظنوا أنهم خلقوها لحسابهم الخاص.
عندما يتسيد العداء، تغيب الرؤية ولا تسعف العقلانية في فهم سلوك المفتون بأحقاده، ولهذا تختلط الأمور ما بين السياسة والرياضة والديبلوماسية والثقافة، وتصبح جبال الأطلس كسكسا منثورا، ويصير التاريخ أحجية طفولية لتنويم الأجيال ودغدغة ذاتية للنفس وبلاغة لترويج جنون العظمة …

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/01/2023