رسالة إلى السي محمد أشركي 2/2

عبد الحميد جماهري
عزيزي السي محمد،
لم يحدث أبدا أن تركتني أتحدث ورحلت،
إلا هذه المرة وأنا أشعر بضرورة الحديث عنك، في منتصف الرسالة ودعتنا
وذهبت إلى حيث تجد راحتك الكبرى
في الأبد الخالد..
اخترت أن أرسل إليك هذه الرسالة، وأنت وقتها تلقن الحياة درسا آخر في الصمود
وتلقن الجسد طاقة لا تضاهى في التحمل..
ربما شعرت بأن الكلمات لن تسعفني
إلا في أن تظهر قصورها
وعجزها في الحديث عنك..
لهذا فتحت لي بابا أوسع للبلاغة: البكاء على رحيلك
والنحيب على غيابك..
لم أكن وحدي من بكاك،
رأيت رفاقك وهم من أعلى الأعمر يذرفون الدمع
ورأيت الناس البسطاء والمناضلين العاديين
والمناضلات في بياض حزنهن يبكينك..
تيقنت أن الألم بارع في تفكك الضلوع..
** حكاية من زمنك الجميل أرويها
كيف كنت بطلا لا يدعي بطولة
وكيف كنت قويا بصرامتك
وكيف كنت تهدينا بطولات بدون أن نشعر بها٬ببساطة، وتبصر وحكمة الراهب في محراب وطنه..
حدث في سنة 1992، في عز القوة والسطوة الحسومة لدولة، أن كان هناك قرار بأن تحتضن مدينة المحمدية، احتفالات عيد الشباب، أيام الملك الراحل رحمه الله.
وجاء ادريس البصري، يسوق سيارته ومعه ادريس السلاوي…والتحقا بك في مدخل المحمدية حيث كنت توجد كرئيس للبلدية،
طلب منك ادريس البصري، الرجل القوي، أن تركب السيارة معهما
ثم سألك: المحمدية ستحتضن عيد الشباب، ماذا أعددتم لهذا الحفل ؟
أجبته: المدينة لديها فائض ٢ مليون درهم(200 مليون سنتيم )، ستساهم بها في هذه الاحتفالات العزيزة على المغاربة.
اندهش ادريس القوي من جواب كهذا، وقارن بين ميزانية مدينة أخرى التي خصصت لتلك الاحتفالات تجاوزت أربعة مليارات، وأنك أنت تعرض مبلغا زهيدا.
ثم قلت له : إن عيد جلالة الملك عيد كل المغاربة، وعلى الجميع، من الوزارات إلى المؤسسات أن يساهم مساهمة كريمة في ذلك .
سألك ادريس البصري، وادريس السلاوي يتابع الحديث بينكما:
منين أنت؟
قلت: من المحمدية ؟
قال:لا اقصد جذورك الأولى :
قلت أنا من سوس العالمة، ومن تارودانت ترابيا؟
أجابك بلغته المتعالية :ذاك الشي علاش كا تصارف معايا بحال مول البيسري!
لم تزعزعك تلميحاته ولا تضمينات كلامه.
وكان لك ما قررت..
في زمن كانت جباه كثيرة، تحبو نحوه
الآن،، وقد حرر ملك البلاد بلادن من كل «الفخفخات الاحتفالية ينصفك التاريخ..
وبعده تنتظر أن يباركها لكي توجد..
هؤلاء الذين يزحفون كلما رأوا رجل قوة.. ربما كانوا لا يستسيغون أن تكون!
ولي حكاية في هذا الصدد سأرويها حين البأس…
كثيرة هي المواقف التي جبلت عليها دفاعا عن المحمدية
وعن كرامتها
وعن شهامتها،
ومنها حكايات مع الدولة وعاهلها،
سأرويها حين البأس..
ولكن أتأمل هذه القوة الربانية التي كانت تسكنك، مع ثلة من المناضلين الأخيار..
هؤلاء الذين يشرفوننا،
مجدنا
اييه يا بطلي..أيها الاسم الذهبي، يا معدن لا يوجد له نظير
ولا شبيه…ترحل بكفافك وعفافك لكننا
سنعيش أجيالا أخرى بما تركته من شحنات
ونمشي الهوينى، ونسير بيقين الصادقين رغم أن الزمن صار رساما رديئا يرسم الوجوه الغبراء في المشهد السياسي الوطني …
إلى جانبنا شعب صبور، ملازم للبراءة
ومناضلون يروضون أكفهم على جمر شائك..
في مكان ما من اللامكتمل
توجد صورة صافية لنا
نحن والشمس
نحن والعشب
نحن والشجر الوارف الذي يحتفظ بثمرات الآباء المؤسسين
وأنتَ فَصْلُها الربيعي….
بورك الثرى الذي يحضنك
سيدة المعامل والزهور والرمال التي أحبتك…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 28/10/2019