رسالة إلى الملك وسط ضباب في مدريد؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

فجأة انتقلت الرسالة التي بعثها بيدرو سانشيز إلى جلالة الملك في مارس 2022، حاملة موقفا تاريخيا لإسبانيا من قضية الصحراء، من وثيقة في سجل وثائق الدولة إلى … رسالة غامضة في خيال قصة بوليسية.
ومن‮ ‬غرائب الحرب التي‮ ‬اندلعت في‮ ‬إسبانيا بمناسبة الانتخابات والهجوم علي‮ ‬رئيس الوزراء في الجارة الشمالية ،‮ ‬هو ما‮ ‬يدور حاليا حول الرسالة التي‮ ‬أرسلها إلى‮ ‬العاهل المغربي، والتي‮ ‬تم نشر محتوياتها في‮ ‬مارس السنة الماضية ونشرتها «الباييس» في عدد خاص، كسبق صحافي، وفيها كما هو مذكور أعلاه الموقف الشجاع والحصيف لرئيس الوزراء الإسباني‮.‬
ومن عناصر الغرابة، التي قد تغري أهل الأدب بدخول التحليل السياسي العصري (!!!) الاختلاف في‮ ‬حكايتها حسب المصادر المعبأة في سباق الانتخابات .. ويخيل لمن يتابع السجالات في إسبانيا كما لو أنها رسالة البابا في‮ ‬القرن الواحد الميلادي،‮ ‬يتضارب في صحة وجودها أصحاب الرأي والأحبار والرهبان وكبار القساوسة!!
ومن غرائب هذه الرسالة أن خصوم الرئيس الاشتراكي لحكومة إسبانيا، ومنهم مرشحة الحزب الشعبي في مليلية السليبة لمجلس الشيوخ في الانتخابات التشريعية المقبلة في 23 يوليوز الجاري، إيزابيل مورينو، قالوا إن»الرسالة كتبت في الرباط ووقعت في مدريد»، وهو تبخيس لا يروم فقط النقد المجاني بل يستثير مشاعر دفينة ضد «المورو».
وعليه فإن الذي ينحوه اليمينيون الاستعماريون هو إعطاء الانطباع، عبر التعابير الملغمة ونشر هكذا تعاليق في‮ ‬صحافة القرن الواحد والعشرين، أن إسبانيا عادت إلى القرن الميلادي‮ ‬الأول بعد فتح الأندلس،‮ ‬وأن الأمور تتم في‮ ‬قصر‮ ‬يوسف بن تاشفين وتسري‮ ‬على حاكم طليطلة‮ !!!!‬
وهو‮ ‬استدعاء صدامي لا يقتصر تفرده على البلادة التي تسكنه، بل في استنجاده بلاشعور قديم لدى الإسبانيين بأنهم مهددون إلى حدود الساعة بعودة «الموروس» وغزو الأندلس من جديد‮! ‬وهو‮ ‬ما يعبر عنه باستمرار خوصي ماريا أزنار بلغة جديدة‮..‬(انظر كسر الخاطر لعدد البارحة).
الملمح الثاني من غرابة النقاش حول هذه الوثيقة، التي دخلت التاريخ السياسي بين دولتين وأمام المشهد العالمي، هو ادعاء …بعدم وجودها أصلا!!!
لقد دخلت الصحيفة المعروفة على خط الكتابة السحرية عن هذه الرسالة الغامضة ( من يذكر قصة الأطفال البوليسية سر الرسائل الغامضة؟).
ونشرت «تحقيقا» تقول فيه إن :»مديرة قسم التنسيق التقني والقانوني في رئاسة الحكومة الإسبانية، بياتريس بيريز رودريغيز، اعترفت في وثيقة تحمل الرقم التسلسلي 00001-00079114، والموقعة في 16 يونيو 2023، أن قصر المونكلوا لا يعرف من أو كيف أو حتى متى تم إرسال الرسالة الشهيرة».
وأضافت أنه على « مستوى رئاسة الحكومة الإسبانية، لا توجد أية وثيقة أو محتوى يثبت التاريخ أو الوسيلة التي تم بها إرسال الرسالة إلى ملك المغرب، ولا حتى معلومات حول الجهة أو المسؤول الذي أمر بإرسال الرسالة!!!»،
ومعنى هذا ، هو القول‮ ‬بأن الرسالة لا أثر لها في‮ ‬وثائق الدولة الإسبانية‮!‬
وعلينا أن نتصور بأن رسالة بمثل صخرة رميت في بركة هادئة، وغيرت من معايير التوازن في شرق المتوسط وغربه، وفي شمال إفريقيا وجنوبها، هي رسالة وهمية، لا علم للدولة بها!!
ولعل العقل الاستخباري المستبصر وراء هذا التحقيق، يريد أن يجتث الموضوع من أصله، بما أن الرسالة غيرموجودة فالموقف كله غير موجود، وكل ما كان هو مجرد حلقة من مسلسل بوليسي تشويقي سرعان ما ستنتهي حبكته!
والملمح الثالث في القصة هو محاولة ربطها بالابتزاز، وأن رئيس الحكومة يكون قد وقع في فخ استخباراتي مغربي، هو وزوجته، وأن المغرب استصدر منه هذه الرسالة التاريخية كي يخفي بها فضيحته!
وبذلك تكون أول رسالة في تاريخ الديبلوماسية وتاريخ البشرية التي تخفي فضيحة التعبير عن قناعة دولة!!
ووجد سانشيز نفسه مجبرا على أن يجيب على الأسئلة ذات الصلة بالتحريف الإعلامي اليميني الذي يستهدف حياته الشخصية :
ـ أبدا لم يتجسس علي المغرب ولا وجد معلومات ذات حساسية خاصة في هاتفي ابتزني بها.
ـ أبدا لا علاقة لزوجتي بالموقف، ولم تكن لها أي تجارة خاصة غير شرعية ورطتها مع الأمن المغربي.
ويصل التدني درجة ما كانت لتصلها دولة قادت أكثر انتقال ديمقراطي في أوروبا وخرجت من الدكتاتورية إلى دولة المؤسسات، حيث أن أعداء سانشيز نصبوا لوحة إشهارية في قلب مدريد كتبوا عليها : سانشيز أنت في المغرب !
الواضح أن بيدرو سانشيز ما زال يملك أوراقا سياسية وسحرا ما يجعله حاضرا في إسبانيا ما بعد يوليوز القادم، وهو ما يفسر جزءا من الضراوة التي يتحرك بها الخصوم، والتي وصلت إلى حد الخضوع للكذب وافتراء الأخبار وتدبيج المقالات ذات المنبع السريالي حول رسالة غيرت من معطيات الجيوستراتيجية في غرب المتوسط، وما كان لهذه الشراسة أن تكون لولا حقيقة الزلزال الذي تم في جارتنا الشمالية.
ويبقى مع ذلك الجانب «التخييلي» في الصراع، والمرتبط برسالة «مجهولة» ولو كان مرسلها وصاحبها ومتلقيها معروفين كنار على علم….!.
وقد أصبحت رسالة مجهولة موقعة من طرف أول رجل سياسة في بلاد الإسبان وموجهة إلى ملك البلاد المغرب،
أضف إلى ذلك أنهم في إسبانيا ربما لم يغفروا له أيضا أنها كتبت بالفرنسية !!!
من قال إنَّ دونكيشوط قد مات؟؟؟؟

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/07/2023