رسالة الملك إلى بوتين : المعنى في السياق الدولي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ما من شك أن الرسالة الملكية إلى الرئيس بوتين، بعد انتخابه للمرة الخامسة على رأس الاتحادية الروسية، محكومة بسياقها البروتوكولي المعتاد، الذي تسطره العلاقات بتاريخها ومقاصدها، وبامتداداتها الدولية، قد تجعلها شبيهة برسائل غيرها، لكنها في الوقت نفسه تمنح ذاتها لقراءة متفردة تخصها حصريا، من حيث لغتُها ومن حيث سياقُها وأيضا من حيث الوضع الاعتباري الدولي للمرسل إليه في زمن ومكان محددين! ..
أولا، تقول الرسالة ما يفيد أن ملك المغرب يأخذ بعين الاعتبار والإقرار اختيار الشعب الروسي لرئيسه: بحيث عبر عن ذلك بالقول » تجديد الشعب الروسي ثقته في شخصكم رئيسا للدولة..«. وهو في ذلك يسلك طريق احترام اختيارات الشعوب الصديقة.
وهذا إن كان اختيارا مألوفا لدى ملك المغرب فإن السياق الذي يخص حلفاءه الغربيين يزيد من قوته، ويجعل ملك المغرب يتميز باستقلالية متقدمة بل برؤية مغربية لا تستأنس ولا تلتزم بتقدير عواصم الغرب لاختيارات الروس.
فنحن نعرف بأن كل العواصم الغربية، والعديد من القادة الغربيين نددوا بما وصفوها انتخابات غير شرعية. بل إن أقرب حلفاء المغرب، الحليف القوي للمغرب، ذهب إلى حد اعتبار أنها انتخابات غير حرة، معلنا أنه لن يهنئ الرئيس فلاديمير بوتين..واشنطن إذن ترى أنها لن تهنئ والرباط تفعل ذلك.
نفس الشيء بالنسبة لحلفاء قاريين، من قبيل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي صرح بأن إعادة انتخاب بوتين رئيسا لروسيا جرت في انتخابات استندت إلى القمع والترهيب«. وسار وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني على خطى واشنطن فاعتبر أنها «لم تكن حرة ولا نزيهة».
في الموقف الملكي ما يبين بالملموس، الاستقلالية في تدبير الموقف من هذه الاستحقاقات الروسية، بعيدا عن عواصم الحلفاء التقليديين، كما نقرأ فيها امتدادات التحليل الملكي والخيارات البعيدة المدى في خارطة العالم، كما سطرها بوضوح في خطاب الرياض في أبريل 2016.
ثانيا، تضع الرسالة الملكية إلى بوتين المغرب في مصاف الدول التي فتح معها شراكاته الجديدة مثل الصين، التي اعتبر رئيسها شي جينبينغ. أن الصين وروسيا أكبر بلدين جارين، وهما شريكان في التعاون الاستراتيجي الشامل في الحقبة الجديدة».
كما أن الموقف نفسه يسجل في الدول التي تستقل رويدا رويدا في خارطة اللعب الاستراتيجي من قبيل تركيا والهند، ونفس المنحى ذهبت إليه الدول العربية من الإمارات إلى السعودية مرورا بقطر..
ثالثا، في اللغة التي كتبت بها الرسالة، ما قد يعيد إلى ذهننا شيئا مشابها في رسالة جلالته إلى بيدرو سانشيز في تخصيص الخطاب بنفس التعبير »على مواصلة العمل سويا معكم من أجل المضي قدما…«. وهو سياق ثنائي، يضع الملك عناوينه من الآن، كامتداد لما هو حاصل وكذلك استشراف لما هو قادم. وفي هذا الامتداد ما يغري عن الإطناب في الحديث.
لقد تقدمت العلاقات الثنائية، وأفلتت من الكثير من فخاخ الجيوستراتيجية، سواء في القضية الأوكرانية أو في العلاقة مع القارة الإفريقية أو في العلاقات العربية الروسية. وكان الخيار الروسي واضحا، وتفاعل معه المغرب بما يلزم من نضج وانسجام.
لقد رصّدت الرسالة ما هو في حكم العلاقات الثنائية المتنامية، كما كرست استقلالية مغربية ملموسة، بات يحترمها العالم أجمع في تقدير الموقف من مجريات الأحداث في العالم. وهو عنوان بارز للسيادة الديبلوماسية في تحديد طبيعة ما يجمعنا مع عواصم الكوكب.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/03/2024