رسالة ملكية: الثابت والمتحول في علاقة المغرب بفلسطين
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
أعاد ملك المغرب التأكيد، مرة أخرى، على الثوابت التي تنتظم حولها علاقة المغرب والمغاربة بقضية فلسطين عموما وقضية القدس على وجه التخصيص.
كانت مناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فرصة لجلالة الملك لتكريس الترافع الدولي لفائدة القضية، من خلال الواجب السنوي في مراسلة شيخ نيانغ، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، (انظر نص الرسالة )، وفي الرسالة أكد الملك الثوابت التالية:
ـ الموقف الثابت من عدالة القضية الفلسطينية، والذي يجمع بين الثبات والوضوح، وهي رسالة واضحة إلى الطرف الذي عليه أن يأخذ هذا الموقف بجدية، ولعله دولة إسرائيل والقوى المساندة لها. وهو أمر يتخذ حمولة أخرى، ويندرج في نسق جديد، عندما نستحضر الاتفاق الثلاثي بين المغرب إسرائيل وأمريكا.
فالتأكيد على الموقف المعروف يأخذ معنى جديدا ويشحن بشحنات جديدة.
– المغرب يتشبث بحقوق الشعب الفلسطيني في مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وهو تأكيد على عقيدة المغرب الثابتة بخصوص حق الدولة، إلى جانب حل الدولتين..
– تشريح للوضع الحالي بما تضمنه من تسجيل وجود «حالة الانسداد في العملية السياسية» بين جانبي الملف، وهو أمر يحيل بحد ذاته على تعليق عملية السلام، ودخول المنطقة إلى دائرة الشك واستمرار التنكر للحق الفلسطيني.
ـ ولتأكيد هذا المنحى في فهم تطورات الوضع، يربط ملك المغرب بين نسبية ومحدودية «المبادرات الرامية لإشاعة الازدهار والرخاء في المنطقة»، رغم أهميتها، وبين تأثيرها على حقيقة الوضع في المنطقة. وعليه ينبه الملك إلى أن هذه المبادرات، ولعل في قلبها اتفاقيات أبراهام (التي يعتبر المغرب أنه غير معني بها)، غير كافية في ظل صراع طال أمده وبات يرهن مستقبل الأجيال المقبلة!
عليه فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتفرع عنه العديد من الصراعات وكل حرب تلد حروبا أخرى ، مما يعطي الأهمية الكبرى للقضية على حساب أية مبادرات محدودة رغم أهميتها.
طبعا لم يكتف الملك هنا بترديد المواقف الثابتة، كما لو أنها الواجب الذي نعيد الحديث عنه بإسقاط كل ما حصل منذ 29 نونبر 2021، والاكتفاء بترديد نفس المبادئ، وكما لو أنها غير مرتبطة بالزمان والمكان والتحولات التي تحدث، بل اقتضت الرؤية الملكية والشجاعة الأدبية الحديث عن هذه المتغيرات بكل وضوح ولو باللغة الديبلوماسية التي تقتضيها الرسالة.
– التأكيد على حل الدولتين، بما يعني ذلك الرد على كل السيناريوهات التي توضع للقضية وتغتنم الوضع الحالي الذي يجعلها متدنية في ترتيب اهتمامات العالم الجيوسياسية.
وهو ما كان موضوع تأكيد ملكي واضح باعتبار أن الترتيبات الجيوسياسية الحالية لا يمكنها أن تغيب القضية الأم وقضية العرب والمسلمين ومحبي السلام في العالم، وهو ما ورد في الرسالة على شكل تسجيل أن «أزمات دولية طارئة تحظى الآن بأولوية اهتمام المجتمع الدولي ومؤسساته، فإن القضية الفلسطينية ستظل، باعتبارها أقدم القضايا، مفتاح السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط».
في المتحول ما هو بقيمة الثابت:
أولا: سجلت الرسالة الملكية «الإشارات الإيجابية والمبادرات المحمودة المبذولة لإعادة بناء الثقة بهدف إطلاق مفاوضات جادة كفيلة بتحقيق حل عادل وشامل ودائم للقضية «، ومنها الوصول إلى اتفاق إطلاق النار، وفتح المعبر بما يخدم الإنسان الفلسطيني، بعض اللقاءات التي تمت، بين وزير خارجية أمريكا والفلسطينيين، وعودة الحديث عن موائد التفاوض من أجل السلام، تأكيد جو بادين على حل الدولتين .
ثانيا: رفض الإجراءات الأحادية التي تقوض السلام ولا سيما في مدينة القدس، وهي إشارة إلى تل أبيب لا غبار عليها، لا سيما وأن ما ينتج عنها هو تعميق التناقض وتحويل طبيعة الصراع من صراع الأرض مقابل السلام إلى صراع عقائدي.. وهو أمر يفجر المنطقة برمتها.
ثالثا: الدعوة إلى تحرير القضية الفلسطينية من كل أشكال التوظيف والاستغلال والاستخدام الضيق.
والعودة رابعا إلى وحدة الصف الفلسطيني، وهنا لا يمكن أن نغفل هذا الترابط بين وحدة الصف والابتعاد عن التوظيف، ولا يمكن القفز على محاولات توحيد الصف الفلسطيني في تزامن مع خلق شروط معاداة المغرب في القمة العربية بالجزائر، والتي كان واضحا أن الورقة الفلسطينية كانت بهذا المعنى قمة الاستغلال السياسي الداخلي والخارجي أكثر من خدمة القضية.
وجلالة الملك يريد أن يعلن للفلسطينيين أنه مع وحدتهم وتراص صفوفهم، من أجل تقوية النسيج المؤسساتي الفلسطيني، مع تقديم خطة عمل في قلبها حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، وهو تأكيد ملكي كان في قلب رسائل سابقة ومبادرات مع الأطراف الفلسطينية ذاتها..
وفي الثوابت والمتغيرات نجد بطبيعة الحال، لجنة القدس. فالثابت هو التزام ملكي مغربي بعدالة القضية، وفي المتحول طبيعة الخدمات وحجمها المتزايد والمتنوع كل سنة.
لقد جاءت الرسالة لتقرأ وضعا فلسطينيا مفتوحا على كل الاحتمالات الصعبة، ومنها طغيان الحسابات الجيوسياسية التي لا تخدم القضية، ووضع التطورات التي حصلت في المنطقة سواء التي للمغرب فيها تواجد أو غيرها ضمن إطار وشبكة قراءة، من ثوابتها حق الدولة الفلسطينية في الوجود، بما يقتضيه ذلك من ضرورة خروج الملف من الانسداد السياسي …
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 30/11/2022