رسالتي إلى حفيد في علم الغد

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

اعلم، حفظك لله، أن جدك يكتب لك هذه الوصية وقد ارتجفت منه الأحشاء قبل الأعضاء، وطفح به الفرح مبلغا كاد يعفيه من فرح الكتابة إليك…
اعلم با بني أن لله اختار لجدك نهاية طيبة، فقد رأى بأم عينيه ما ظل في سر الخاطر أمنية، وفي الحشا طلبا ورغبة، وها هو يقص عليك فوز المغرب الأقصى بتنظيم كأس العالم، رفقة دول ستقرأ في التاريخ أن بيننا وبينها بحر متوسط متلاطم، وذكرى معركة قضى فيها ثلاثة ملوك، وقد تحققت لنا أمنية قضت دونها الأرواح وتداعت إليها دول شتى…
ولعلك، يا بني، سترى تسجيلات لذلك الحدث العظيم، بما أفحم به أكابر الدول من أهل الكرة الأرضية وشعوب البر والبحر، لكن ولا شك لن تقرأ عن الرعشة التي كادت تغمي علي نفسي بها، ولن تجد في كل الصور والشرائط والكتب، فيض السرور وقد فَجِئَني الحق مثل فلق الصبح…
وخلوت إلى فرحي أهتف من الطابق الخامس في الجريدة »الاتحاد الاشتراكي..
عاش المغرب
عاش الملك …
وعشت يا شعب الأبجديات الفَرِحة.
وما خلوت إلى زادي من الفرح بل صرت أوزع منشور غبطتي على من أحب وعلى من أعرف
وأعد نفسي بتاريخ طويل في العزة..
إني أحكي لك ما يقوي حبك لبلادك، ويزيد إيمانك بها
وأنا متيقن بأنك تراها الآن رأي الرفعة، وهي الآن قد صارت في محفل الأمم الكبيرة…
واذكر يا بني أننا أنهكنا العمر بالانتظار
مرات عديدات، وكان العالم قد غطَْنا
أولى وثانية حتى بلغ منا الجهد..
وما انكسرنا ولا أحبطنا، وإن كان قد فتر الحلم فترة حتى تحقق ما صبونا إليه، ونحن نتسلق قمم العالم، حتى بلغنا فيها بإرادة من ملكك وشعبك، خير الوقتين، الحاضر والمستقبل.
واذكر ملك بلادك ومغربه القوي، وقد أدخلك محفل الأمم الراقية وحقق لاسمك ولاسم بلادك حظا واسعا من ذهب الفخر ومداد العزة، بالجدية والتواضع وحب الفقراء وحب البلاد حبا وثنيا، هو من صميم إمارة المؤمنين الموحدين الخاشعين…
يا بني، كانت دول كثيرة تحلم مثلنا وقد نلنا إجماع الدول كلها على ما بلغناه من شأو وشوكة…
كان عاما ذهلت فيه المرضعة عن رضيعها بفعل زلزال ضرب السفح والجبل، وردم آلاف الناس تحت ثراه، وكنا نبكي ونجمع أشلاءنا وما رضينا بشماتة ولا لطف يراه خصومك ترفا فينا…
وكنا قد خرجنا والعالمَ من وباء جارف ذهب بالآلاف من أرواح بني آدم، ورافقته حرب قل معها الحب والضرع، وسارت في الناس أنباء الفقر والندرة من قمح وشعير وذرة، وارتفعت الأسعار، وتشبث المؤمنون من أهلك بأميرهم يدرأ عنهم ذل الحاجة ويتوسل الشعوب الأخرى…
اعلم يا بني أنه ما أخذت الكرة شكل الأرض إلا لأنها منها وأنها قبلة من يسكنون الكوكب وقد سكنتهم الكرة وروضت خيالهم قبل أقدامهم وأخرجتهم في الشوارع هاتفين كمن به مس من السرور… يومها صار في العلم أن العضلات ما هي إلا حجاب العقل، وأن الأقدام هي الجزء الأكثر ذكاء في الجسم، ومن لاعبينا الذي كانوا قبلها
قد أدهشونا وأدهشوا العالم في قطر تعلمنا أننا لا نهزم الشعوب الأخرى، بل نعمل كي نهزم فكرة …..أن نخسر ..لا شيء آخر.
يا بني لم نكن في حاجة إلى ثقل الماضي
لكي ننقذ المستقبل
بل عشنا العالم المتحضر بجلابيبنا وبلْغاتنا
وطرابيشنا وقفاطيننا
بالحيدوس والكدرة والعلاوي والطقطوقة والملحون والغيوان
وألفنا العالم يحج إلينا
زرافات زرافات
ليتحدثوا في قضايا المناخ وفي بيوت أموالهم
من كل دولة وحضر
لكن الذي بشرنا به ضمير أمتك يوم العاشر من شهر أكتوبر من عام الناس هذا 2023 لا يشبه بشارة أخرى…
فلا تكتم فخرك بنفسك وبلادك على أحد، وأقصص رؤياك على كل إخوتك، ولا تنسَ أن تتحاشى المشي بين الأمة مختالا فخورا، فإن ذلك ليس من عزم الأمور.. يا بني إن تكن صرخة سرور فاصرخ بها وإن تك رقصة ارقص بها وان تكن كلمة متعة متع نفسك ومن حولك بها…
يا بني، في تلك السنة من عمر شعبك نادى فيهم الملك بالنية والجدية والصدق…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 06/10/2023