ريادة مغربية في مواجهة الكراهية!

عبد الحميد جماهري
لطالما صنعت الكراهيةُ خطابَها وجرائمها، وحولت القلوب إلى صقيع، وسلطت على الشعوب شتاءها القارس. وكان ملزما أن يتحرك المغرب،من أعلى 12 قرنا، على الأقل من تاريخه ومن تجربته في بناء خطاب مناهض لها، لكي يسجل في سجلات الأمم المتحدة يوما له معنى بالنسبة لنا هو يوم 18 يونيو، يوما عالميا لمحاربة خطاب الكراهية.
لم يعتمد المغرب، فقط على سمعته التاريخية في مجال التعايش، ولا في تاريخية ما اختاره في اللحظات الصعبة من حياة الأمم، بحيث رعى وساند ودعم التعايش ورفض أن يرفض الآخر، سواء كان منه أو كان بعيدا عنه، بل كان عليه أن يتمثل التجربة، في عصرها وفي حداثتها الدولية والدولتية، ويطبعها في حمضه النووي لكي يستطيع إقناع العالم بما يقدمه من عروض في باب الأخلاق القائمة على وحدة الإنسانية. ومنها مبدأ رفض الكراهية وتحويلها إلى استثمار سياسي أو ديني قائم على تقتيل الآخر ونبذه أو إقصائه.
قبل عقد من الزمن على تبني الأمم المتحدة لمشروع قراره، نحت المغرب في مورثاته الوطنية هوية منفتحة وقيما تستحضر العيش المشترك حيث تضمن الفقرة الثانية من تصدير الدستور المتوافق عليه في 2011،» تعريفا لهويته كما صهرتها الطبقات السميكة من التاريخ والثقافة والحضارة مبنية على أن »الإسلام يتبوأ مكانة الصدارة في الهوية، وذلك في إطار تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جميعا«. وعلى ضوء هذه الهوية، تحددت علاقته مع كل القضايا التي تكون فيها الروح عرضة للسطو من طرف الناقمين والمتعصبين والانعزاليين.
ولعل نوعا من التطابق موجود بين الفقرة التي أوردناها من الدستور والفقرة التي تسمي القرار الذي اعتمدته الأمم المتحدة باقتراح من المغرب في 18 يونيو 2021 والذي يتحدث عن »النهوض بالحوار بين الديانات والثقافات، وتعزيز التسامح من أجل مناهضة خطاب الكراهية«.
وهو تلازم محلي دولي في الروح التي كانت وراء هذا المشروع، حضرت وجهزت الظروف لاعتماده.
ثانيا: قام المغرب بمجهود عميق على هذا الصعيد، منذ 2014 تحديدا، حيث أعاد النظر في مرجعياته التربوية وعمل على إعادة تأهيل حقله الديني، وسطر مرجعا عمليا وميدانيا بآفاق إنسانية واسعة= في مجال إعداد المرشدات والمرشدين، وطنيا وقاريا؛
ويمكن القول إن الحقل الديني والتربوي يمثلان أرضا خصبة عادة لثقافة الإقصاء والتقوقع إذا لم يتم ربطهما بقيم السمو الإنساني الشاملة!
هذا المسار الداخلي الذي عرف محطات متواترة ومتنوعة، رافقه حضور دولي، لعل أبرز لحظاته كانت هي اعتماد خطة عمل فاس للرواد الفاعلين من رجال الدين وعامليه والمؤطرين له، والتي أصبحت خطة عمل تبنتها الأمم المتحدة، ثم ما تلاها من دينامية في توفير الشروط كلها لإقناع الشعوب والحكومات، سواء في إطار تحالف الحضارات أو مؤتمر البرلمان العالمي في مراكش، والذي صدر عنه بلاغ مراكش المؤسس لانخراط ممثلي الشعوب في الروح البناءة التي دعا إليها المغرب.
يمكننا القول إن الأدبيات الرئيسية العالمية للقيم تحمل البصمة المغربية، وأسماء المدن المغربية الامبراطورية ذات الحضور الروحي العميق فاس – مراكش) كما هو الحال في الأفق المتعلق بالهجرة، والتي تشكل ميدانا لاستمرار الخوف من الآخر، ويتم استغلالها من طرف الشعبويات السياسية لزرع خطاب الكراهية وما يأتي به من جرائم تمس الحياة المشتركة..
لعل البعد الأكبر هو في إعطاء إمارة المؤمنين أبعادها الإنسانية من خلال كون الملك ليس أميرا للمسلمين، بل هو لكل المومنين من الديانات التوحيدية التي عاشت فوق ترابه وشكلت نسيجا من تاريخه( البابا سيلفستر درس في القرويين كما هو حال المفكر اليهودي المغربي ابن ميمون، المرجع الكبير في التراث العبري/ المغربي )..
القرار الذي صوت عليه بالإجماع من 193 دولة،. هو قرار له ما بعده من حيث الالتزامات التي وردت فيه، وهي التزامات للدول والمؤسسات والمنظمات، من أجل توفير شروط محاصرة خطاب الكراهية ومحاربته ومنع تحويله إلى سياسات تدمير وترويع، كما يحدث في كثير من مناطق العالم. باسم الهجرة أو العنصرية أو الإرهاب أو التمييز العرقي والديني إلخ..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 20/06/2024