ساعة مُتْعةٍ في الأكاديمية (1)

عبد الحميد جماهري
محمد أشركي: الفقه الحي
هو الذي يطابق الدستور!
عبدو الأنصاري: المسلمون عاشوا قرنين دون فكرة الشريعة!
في تقديمه للفقيه الدستوري والرجل القانوني الأستاذ سي محمد اشركي، عند تنصيبه عضوا جديدا في أكاديمية المملكة، نسج لنا السيد إدريس الضحاك، بكلمات سريعة وبسيطة، ألفة مع المحتفى به، عندما قال« إن سيرته تميزت بالإطلاع على الأدب والفلسفة» مما جعلهما يحتلان حيزا مهما في صياغة مزاجه القانوني ويُروِّضانه على غير قليل من المرونة في اتخاذ القرار، وفي تغليب الحوار لتفادي صدام الأفكار والقرارات أو حتى الشخصيات.
واسترعاني هذا التمهيد في رسم بورتريه رجل تفرع عن القانون، منذ نيله جائزة المغرب عن أطروحته حول الظهير الشريف في القانون العام المغربي، وسما في المنصب القانوني حتى صار على رأس المجلس الدستوري، وأصبح الحارس لنفاذ الدستور في الحياة العامة وفي قوانينها . رجل يقيم بين ثلاث لغات ، الفرنسية والاسبانية والانجليزية، وبها بات مشَّاءً كبيرا بين طرق ثلاث في رحلة حجه الى الأكاديمية.
وقد كانت المناسبة صبيحة الخميسس الماضي في رحاب سيدة المعارف الأكاديمية، فرصة لامتحان السلاسة في موضوع يستوجب معالجة جد صارمة من قَبيل «الأسرة والدين من منظور دستوري».
من الوهلة الأولى يضع الأستاذ أشركي للقانون المتعلق بالأسرة مكانة خاصة جازما بأنه ليس هناك أي قانون مغربي يحظى بالاحترام أكثر من قانون الأسرة، وفي ذلك يعلي من حضورها في الدستور الجديد بعد أن كانت الدساتير السابقة لم تزد على تكريرها في حين بلغ عدد المرات في النص الحالي سبع مرات.
وإذا كان الدستور لم يعرف الأسرة فنجد حسب السي محمد أشركي بأن الجانب المركزي الأول هو
1 - أن الدستور ربط الأسرة بالزواج ( كما في الفصل 32) ومن ذلك يتفرع مايلي :
2 – هي حق للرجل والمرأة على حد سواء.
3 -الأسرة دستوريا مرتبطة وجودا وتبدأ بالزواج عكس ما قررته مثلا المحكمة الأوروبية.
- 4 الأسرة حاملة أخلاقيات
5 – الدولة عليها حماية الأسرة( الفصل 32 دائما يقول: تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها).
6 – الأطفال سواسية أمام حماية الدولة، سواء كانوا شرعيين أو طبيعيين، وفي ذلك يتحدث الدستور عن سعي «الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية»!.
ولعل من الأفكار التي تلزم سامعها بتتبعها لما لها من آثار على الفكر والحياة المجتمعية قول الفقيه إن تبني المقاصدية في فهم الشريعة يحيل على الإمام الشاطبي، الذي يرى ضرورة «إسناد الحكم بمقاصده» عبر ترجيح روح القاعدة على نصها.
الجانب المركزي الثاني هو:
- الأسرة قائمة على الزواج الشرعي. مع التنبيه إلى أن كلمة « الشرعي»لا ترد في الدستور سوى في هاته الحالة. «ويرى الأستاذ اشركي أنها إحالة مقصودة على الشريعة «بالرغم من أن الشريعة لم ترد في دستورنا» (عكس مصر والإمارات والبحرين مثلا التي تنص دساتيرها على أن الشريعة مصدر أساسي للتشريع).
ويفتح الأستاذ أشركي باب الجواب من خلال سؤال حول غياب أو تغييب الشريعة في الدستور، ليجيب بالنفي، ويعلل وجود الشريعة من خلال الدستور عبر التنصيص على أن الإسلام دين الدولة.
وإذا كانت الدولة لا دين لها باعتبارها شخصا معنويا، أي أن الدولة لا تكون متدينة في ذاتها، فإن الفقيه الدستوري يرى بأن
- الدولة تعتبر الدين الإسلامي من مقوماتها، كما أنه دين المجتمع، وفي الإحصائية المحسوبة له، يذكرنا بأن العبارات الدالة على الدين وردت 14 مرة منها أربع مرات من الأساسيات:
- في التصدير هناك تنصيص على أن الإسلام مقوم أساسي ويتصدر الهوية الوطنية( المملكة المغربية دولة إسلامية - الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها)
- في الفصل الأول يعتبر الإسلام جامع الهوية(تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح)
- الفصل 175 ينص على أنه لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي إلى غير ذلك من المراجع المثبتة. ولعل من الأشياء ذات البعد المستجد في الاستماع إلى الأستاذ أشركي هو أن أحكام الشريعة موجودة في الدستور لكنه لم يتحدث عن الدين الإسلامي بكيفية مجردة، بل حرص على تحديد ملامح هذا الدين بوصفه ( الاعتدال، الانفتاح الحوار التسامح والعمل بالمقاصد…) وهو ما يصنف في خانة الأوصاف ما فوق رمزية لأنها« إرشادات ذات حمولة قانونية».
ففي التسامح مثلا هناك إقرار من اليونيسكو باعتباره ليس فقط واجبا أخلاقيا بل هو واجب سياسي كذلك، وله في الدستور مظهران: الأول هو أن كل واحد حر في التدين كما حدد ذلك بصماته الملك نفسه عند استقبال البابا، ويضع شخصه كمؤتمن على حرية كل المؤمنين وليس فقط المسلمين. والثاني، هو اعتبار حرية الشريعة من صميم حرية التعبير..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 12/06/2024