سانشيز، رجل الانفراج التاريخي!

عبد الحميد جماهري
سيرتبط اسم بيدرو سانشيز، في تاريخ إسبانيا والعلاقة مع المغرب، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، باسم رئيس الحكومة الإسباني الذي أحدث منعرجا كبيرا في الجيوستراتيجية المتوسطية غربا، وكسر سقفا زجاجيا كانت العقود الماضية قد وضعته على رأس كل سياسي في بلاد الجار الشمالي.
سيقول عنه الكثيرون في إسبانيا، والمغاربة بأغلبيتهم الساحقة، إن الرجل الذي ولد في حي تطوان بمدريد منذ 50 سنة، اتخذ موقفا شجاعا، لم يسبقه إليه أحد..عندما حسم، في رسالة إلى الملك، محمد السادس، قرابة نصف قرن من التردد والترنح بين الموقف السليم وبين الحسابات المحلية…
سيذكرون كذلك أنه رفع شعارا في المؤتمر الذي سينتخبه كاتبا أول في حزبه، هو« الحزب العمالي الإسباني هو حزب التغيير، وأن إحدى نقط التغيير مست الجار الجنوبي… ولا تزال كلماته تتردد: التغيير ليس فكرة زعيم أو حزب ما، بل على كل الإسبانيين أن يقوموا به، التغيير إما أن يكون من أجل الجميع أو لا يكون»…
وما يقوم به هو فعل من أجل الجميع…
بالنسبة لنا، نحن الذي ندافع عن حق عمره بعمر الأرض وطبقاتها، بعمر التاريخ وحقبه ودوله، هذا الموقف هو الموقف الطبيعي، والعادي حتى.
بيد أننا ندرك، مع ذلك، أن الشجاعة تكون في بعض فصول العلاقة بين الدول أو في ممارسة السياسة، هي .. فضيلة المنطق!
وبعض البداهات،عندما تكون محل قناعات عرجاء، تُعمي، كما هو الأمر المتعلق بصحرائنا في نظر جزء من المؤسسة الإسبانية، حاكمة أو محكومة…
وتلزم إرادة معينة لكي تخطو الدول، باسم رجل ما أو امرأة ما، الخطوة الضرورية في خلق الانفتاح الضروري.
بيدرو سانشيز، الذي لم يكن جزءُ كبير من الطبقة السياسية والإعلامية المغربية يعرف عنه الكثير، قبل مجيئه إلى قبة المؤسسة الأولى في الدستور الإسباني، كان رجل الآمال كلها، ثم صار رجل الأزمة كلها، ثم انتهى به المسار إلى أن يكون رجل الانفراج…
الذي لا يكون رجل انفراج عندما يكون قد صار رجل أزمة، لا يكون سياسيا ناجحا ولا سياسيا يمكن أن يصنع التاريخ في لحظة من اللحظات.
لقد أثار الانتباه، في رسالته إلى المنتخبين الإسبان، في مقالة إعلان الترشيح في انتخابات 2019، وقتها أثار اهتمام المغاربة كلهم، بما نشره في مجلة الشؤون الخارجية، المعتمدة في أدبيات السياسة الخارجية الإسبانية، لقد قرأنا كلنا، بغير قليل من الحفاوة، أنه يعتبر أن إسبانيا تنظر إلى المغرب كدولة شقيقة وشريك استراتيجي من الطراز الأول، ونتشارك معا الرخاء والأمن، كما نؤيد بشكل حاسم الاستقرار في غرب البحر المتوسط، وسندعم المغرب في علاقاته مع الاتحاد الأوربي، وسوف نعزّز دينامية التبادلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجتمعاتنا في جميع المجالات» بيدرو سانشيز سيكرر هذه القناعات، في مناسبة جليلة هي مناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش، وقد كتب مقالة هامة للغاية بمناسبة، قلما يكتبها رؤساء حكومات الغرب وغيرهم، دافع فيها عن التاريخ والحضارة. المستقبل.. فيها »المغرب شريك للحاضر والمستقبل، ودولة صديقة، وشعب شقيق، وجوارنا اليوم أكثر من أي وقت مضى فرصة وتحدّ من أجل تطوير علاقة عادلة ومتجدّدة، تلبي التطلعات المشروعة لشعبينا، هذا هو الالتزام الذي فرضته على نفسي بطموح واقتناع بهذه المناسبة، مناسبة مرور عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس ملك المغرب..»؟
لقد أعادت الرسالة التي بعثها مؤخرا، وفيها موقفه الشجاع المعلن، ما كتبه وقتها عن قناعته »بأن إسبانيا والمغرب هما اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بلدان موحّدان بروابط متعدّدة، ليس فقط راهنا، ولكن عبر علاقة استراتيجية تستشرف المستقبل. إسبانيا والمغرب يمثلان اليوم نموذجا جيدا للكيفية التي يجب أن يكون عليها الجوار، بظروفه الجغرافية والتاريخية، وكيف يتحوّل إلى علاقة مكثفة ومثمرة بين بلدين صديقين».
نقرأ في سرديات الرئيس الإسباني، وصفة للمستقبل، ونحن نستحضر الرسالة، نستحضر معها إجبارية خروج إسبانيا من «جيواستراتيجية القنافذ»..
تلك التي تلجأ إليها إسبانيا، المفارقة: الاقتراب عندما تكون في حاجة إلى الدفء، ثم وخز المغرب بشوكها..!
لقد جرت مياه كثيرة تحت كل الجسور
إفريقيا وجسرها المغرب
الشرق الأوسط وجسره المغرب
أوربا وجسرها المغرب..
وفهم بيدرو سانشيز المجرى الذي تسير به مياه المتوسط، وهكذا سيدعم الرجل الذي سمته الصحافة مرشح الملك لرئاسة الحكومة في 2016، ما صرح به الملك فيليبي السادس، بخصوص علاقات القرن الواحد والعشرين مع المغرب، علاقة غير مسبوقة كما قال جلالة الملك محمد، السادس..
لقد كان الاشتراكيون الإسبان، من القادة الكبار مع التفاهم المطلق مع المغرب، وربما مهدوا الطريق لبيدرو سانشيز، لكن الحقيقة هي أنه هو الذي امتلك قول الحقيقة وهو .. يمارس مهامه، وليس بعد أن تركها. وهو في معترك السياسة المحلية الإسبانية الصعبة. واختار أن يقبض ثور الكوريدا من قرنيه ويتحمل المسؤولية، وتفادى المؤسسة التي تتناطح فيها الثيران، ساحة السياسة والبرلمان، حتى لا تفشل مهمته غير المسبوقة.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 22/03/2022