سيادتان، بينهما برزخ لا يبغيان؟؟

عبد الحميد جماهري

هل من الضروري أن نضع السيادة الشعبية في تناقض، أو على الأقل، في تنافس مع السيادة الصحية، في الوضع الوبائي الحالي الذي يجمع بين سياقين، سياسي وصحي؟
يجد السؤال أعلاه مشروعيته في الحديث الذي يدور، بدرجات متفاوتة من الجدية، بين الإعداد للانتخابات، ثم التوجه نحو احترام انتظامها الدستوري، باعتبارها التعبير الأمثل عن السيادة الشعبية، وبين المعطيات الرهيبة المرتبطة بتدبير الجائحة، والتي يهم الانتصار فيها تجسيد السيادة الصحية التي تحدث عنها ملك البلاد في خطاب العرش الأخير، وجسدتها الاتفاقية الموقعة مع الصين الشعبية بخصوص تهييئ اللقاحات الضرورية….
المعطيات الرقمية، متماوجة ومتضاربة، تهب منها ريح ساخنة وأخرى منعشة:
فنحن البلد الذي يحتل الرتبة السادسة عالميا، من حيث التلقيح ونسبة النجاح فيه.
وعملية التلقيح الوطني التي راكم فيها المغرب منذ زمان خبرة مشهود له بها، استحقت وصف الممتازة من طرف الملك ومن طرف الخبراء الطبيين الذين يتتبعون الأمور عن كثب…
نفس المعطيات الرقمية تقلق الرأي العام، وتتطلب مزيدا من الحزم والجدية والصرامة…
فكما سجلت المنظومة الصحية أرقاما حيوية في التلقيح، سجلت كذلك، ارتفاعا مقلقا جدا في عدد الحالات النشطة، إذ انتقلت من 15 ألفا و253 حالة نشطة منذ أسبوعين، إلى أعلى رقم منذ بداية الجائحة (54 ألفا و586 حالة نشطة)، أي بارتفاع قياسي ناهز 257 بالمائة!
وبدوره، عرف عدد الحالات الحرجة الجديدة التي يتم استشفاؤها في أقسام العناية المركزة، ارتفاعا خلال الأسبوعين الأخيرين، إذ انتقل من 413 إلى 860 حالة، أي بزيادة فاقت 108 بالمائة.
وعرف معدل التكاثر أو التوالد تفاقما عميقا وحادا في قيمته، حيث واصل ارتفاعه للأسبوع السادس، وتقدر قيمة هذا المؤشر بـ 1,47، وهو المستوى الذي يفوق مرتين الهدف المسطر في المخطط الوطني للرصد ومكافحة “كوفيد-19″، والمحدد في أقل من 0,7..
كما أن نسبة الحالات الإيجابية ارتفعت لتنتقل من 10,7 بالمائة إلى 20,38 بالمائة خلال الفترة ذاتها،… ضمن هذا المعطى صار النقاش حول الجرعة الثالثة مسألة توقيت.
فكل الإعلام الوطني يتحدث عنها، كما أن النقاش حولها بدأ يطفو عندنا، بعد أن أصبح قرارا ملزما في دول من العالم…
المعطيات إذن، لا تتيح حكما واحدا ونهائيا..لهذا عندما يتعلق الأمر بسير العملية الانتخابية، أي السيادة الشعبية في ظل تثبيت مقومات السيادة الصحية لتجاوز الوضع المقلق، تتعدد المقاربات، ثم ينتظر الجميع ما سيفعله الكوفيد بنا، لكي نقرر…
هناك من يرى أن «تأجيل الانتخابات وارد نظريا»، وهناك من يعتبر أن الخيارات ستحددها تطورات الوضع، وليس قبل ذلك.
في الطريق إلى ذلك يبقى الترقب من عناصر التحليل، بدون أن يعني ذلك توقف العمل من أجل الانتخابات.
وما يهم أكثر في الواقع، ليس وضع سلم للتفضيل بين سيادة صحية وسيادة شعبية، فقد اختار المغرب في لحظة من اللحظات الإنسان باعتباره الرابح الأساسي من السيادة التلقيحية، فوق السيادة الاقتصادية..إذا شئنا، مع العلم أن المصطلح نفسه ولد في مغرب كوفيد بقوة أكبر من ذي قبل..
ما يهم في الواقع هو إلى أي حد تعطي المكونات السياسية الصورة المشرقة التي يتطلبها الوضع، صورة استثنائية في وضع استثنائي، تستطيع امتحانات كوفيد أن تزكي مصداقية ما يتم تقديمه.
لنأخذ مثلا التدابير الحكومية الاحترازية: إذا لم يستطع المتنافسون تطبيقها بالحزم اللازم، فمعنى ذلك أن الصورة التي نبعثها إلى المواطنين صورة سلبية جدا، تسمم العلاقة مع الطبقة السياسية لديهم، أو تشجع على نظرية المؤامرة: من قِبل: لو أنهم يؤمنون فعلا بالوباء لخافوا منه في تحركاتهم الحاشدة…، ولو أن قرارات الدولة لها معنى لكانوا هم أول من يحترمها……إلخ إلخ.
وتطرح، قبل ذلك وبعده، أشياء عميقة تتعلق بمدى تقبل حملة ذات مخاطر بالنسبة للكل، من طرف الناخب نفسه؟
أولا: والفيروس يتحرك بكل وضوح وشجاعة، لا أحد يمكن أن يتوقع الطفرات الممكنة في الحالة الصحية، ولا أحد يمكنه أن يغامر برسم لوحة وردية في الأفق، مع ما يعرفه بالعين المجردة من تشديد يرافق التوجس من موجة جديدة…
ثانيا: هنا جانب يهم السياسة نفسها ويستوجب هناك ثلاث ملاحظات تهم جانب الاستعدادات:
* نراقب النقاش السياسي، كما لو كنا مخدرين بهواء آخر، غير الهواء الذي نخافه، وهو بدوره نقاش غير معقم بما يلزمه من احتياطات ضرورية!
* كل ما يمكنه أن يخلق تمايزات جديدة، أو متجددة، أو يتم تعطيله أو تأجيله، أو إعادة توجيهه، كما حدث في الفرق بين منافسات انتخابات المرة السابقة وانتخابات اليوم، الذي يبدو أنها تعيش ضمن توازنات سياسية متوقعة، بتغيير زوايا اللعب…
* النقاشات التي يفرضها الحزب الذي يقود الحكومة، بدت غير ذات علاقة بالحصيلة البرنامجتية بقدر ما هي سجالية بمضامين تدبيرية، بالرغم من أنها لم تدفع إلى تأجيل النقط الأساسية حول قانون الكيف وحول القاسم الانتخابي….
وظهرت مجالات أخرى من قبيل توقعات الفائزين وتقبل المشاركين معهم في الحقل السياسي لذلك أو رفضهم له..
* المعارضة لم تشحذ سيوفها، كما لو أن الرأي العام لم يعد قابلا للمناوشات بل ذهبت المعارضة إلى العكس من ذلك، إما بخلق «سلم سياسي» مع أقطاب الحكومة على قاعدة الخصم المشترك، أوغاصت في تدبير حياتها الداخلية، المزلزلة!
وفي خضم هذا، يمكن أن نناقش السيادة الشعبية من زاوية ضيقة، بل حادة، وهي تمارس بين تهديدين: العزوف والوباء.
الأول يهز الثقة، بشكل عام ويطرح سؤال المشروعية،
والثاني يطرح مسألة الحياة وترتيبها في سلم السياسة.
وإذا كانت التوقعات تعتبر بأن اقتراع يوم واحد كفيل بأن يرمم شرخ الثقة والعزوف بنسبة معينة، فإن الذي لا يمكن توقعه هو التأثير الرهيب للوباء في حركية تنقل الناس يوم الاقتراع.
ولكي يكون ذلك، يجب أن تكون الرجة قوية وصريحة وعلنية حول ما يراد لهذه الانتخابات…، أي كيف نقنع شعبا كاملا بممارسة سيادتين اثنتين في ظرف مركب!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/08/2021