شائعات الخصوم: الحقيقة حليفنا الأساسي..!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لا تُؤْخذ الطلقات الإعلامية للبوليزاريو، التي جربنا بعضا من »نيرانها« أول أمس السبت وصباح الأحد، بنفس الهزل الذي كما تؤخذ به بياناتها العسكرية، وخرجات السلاح الذي لا تنفك تروي سيرته منذ 13 نونبر الماضي.
قد تكون الهجمات العسكرية، على أرض الواقع بدون أثر،على عكس الحملات الإعلامية..
لا يبدو أن ذلك راجع، إلى حالات هلوسة ، بقدر ما هو تاكتيك خاضع لاستراتيجية مبنية على خلق واقع إعلامي وتداولي ومناخ عام ، يشكل بدوره حلقة من حلقات الامتداد في التفكير والتنفيذ.
لقد تابعنا جميعا، الخرجات الإعلامية لزعيم الانفصاليين، عندما قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره، حول الصحراء في أكتوبر من السنة الماضية، فقد ركز في كل تصريحاته وبيانات الفلول التابعة له، على رفض إقرار التقرير، ومن بعده قرار مجلس الأمن، بـ»وجود هدوء فيالصحراء«.. ولم يقبل بذلك، وظل يصرح من على كل الأسطح بأنه لا هدوء في الصحراء.
فلا شيء يزعجه أكثر من الهدوء، والوضع الطبيعي،لهذا يكون مصرا على بناء »جدار« من الدخان الإعلامي، كي يعطي الانطباع بأن الحرب قائمة.
ومحاولة تشييد بنايات مدنية في المناطق العازلة،كانت بدورها لهذا الغرض، وتسويق وضع متوتر وحربي في الكركرات..
وتابعنا بعد ذلك، كيف أن قرار الإعلان عن وقف إطلاق النار، كان جاهزا بمجرد دخول القوات المسلحة الملكية الباسلة الكركرات، وتنفيذها عملية الهندسة المدنية.بطريقة سلمية وهادئة..
وكيف أن الهدوء والسلم والتروي، أقلق الانفصاليين وحاضنتهم الجغرافية والسياسة ، وبدأت طبول الحرب الحجرية في إسماع صوتها.
وإلى حد كتابة هذه السطور، ما زالت البيانات تصدر عن غزوات وهجمات وطلعات وطلقات إلخ !!!!
وقد عشنا ليل أمس على إيقاع متوتر ومتوجس،بسبب الأخبار التي تم تداولها بخصوص الهجمات الانفصالية الترهيبية على معبر الكركرات، وتوصلنا بأديوهات« تتحدث عن صواريخ تسقط وأناس يفرون،وعن دمار ودخان إلخ !!!!
وكان ذلك درسا لنا في الواقع،يذكرنا ببداهة التواصل،إذ تنتشر الإشاعة كالنار في الهشيم، وتعم الأخبار الزائفة كالضباب، ونكون ضحية لها حينا من الزمن..
وقبل أن تظهرالحقيقة، نكون قد وقعنا في فخها، وأحيانا نساعد في نشرها.
ذلك أن الحقيقة، تمشي سير الإنسان، على قدمين، فيما البهتان والزيف قد يشق طريقا سيارا ويصل بسرعة…الحقيقة قد يكون لها فم واحد،فيما الكذب والافتراء يتحدث بألف فم ، وفريق من الألسنة..
ولهذا يكون من المجدي، في القضايا المصيرية، كما هو حال القضية الوطنية، أن تبادر الجهات المسؤولة إلى التصدي في حينه للافتراء وتقديم الوقائع التى تدحض الزيف، بنفس السرعة وبنفس الدقة وقبل أن يرتد إلى العدو طرفه..
هكذا الهدهد!
والذي لايمكن أن نختبره ونتحقق من صدقه، في حينه،هو الاخبار فعليا، لأن المصادر، لا سيما في عالم تحول إلى شبكة كبيرة من الأسلاك التواصلية،لا تكشف عن وجهها وعدائها بسهولة، وتكاد تذوب في هذه شبكة لا يمكن التمييزفيها بين العدو والصديق بالسهولة المنشودة.
عندما يكون العدو واضحا، كما في حال المواجهة الميدانية، وفي المحافل الدولية والقارية،يسهل بالفعل دحض المغالطات، والسخرية من ادعاءات الخصم والعدو.
أما في مجال خلق المناخ العام، من خلال التداعيات الإعلامية، تصبح الضرورة مغايرة. والأمر ليس سهلا.
فنحن قد دخلنا، في ما يسميه أهل سوسيولوجيا الإعلام والميديا، مجتمع »ما بعد الحقيقة..«post v?rit?é
وهو خطر جديد يهم الصحافيين والسياسيين ومسؤولي مقاولات الإعلام.
ومقولة »ما بعد الحقيقة«، تعبير يعني كل ما له علاقة بالظروف التي تصبح فيها الوقائع الموضوعية أقل تأثيرا على تشكل الرأي العام من استدعاء العواطف والمعتقدات الشخصية، …وقد يكون موجها عمدا لتحوير الرأي العام ودفعه نحو الغلط، والشك في الحقيقة الرسمية.
وقد اتفق كل الدارسين والفاعلين، على أن التحدي الذي يمثله العهد الإعلامي ما بعد الحقيقة، هام للغاية.
وعليه، فإن تعميم المعيار ما بعد الحقيقة، يهمنا جميعا، وأولنا الصحافيون والعاملون في مجال الإعلام، لأن هذا المعيار قلب رأسا على عقب المحيط الذي نشتغل فيه والقيم التي نستند عليها. ففي قاعدة عمل وسائل الإعلام، توجد الوقائع التي يفترض فيها أنها تنقلها ثم التعليق عليها من بعد، والوقائع تساهم في بناء الحقيقة .
وفي هذا السياق، يحدث أن تنقل وسائل الإعلام وقائع خاطئة. وهذه الأخطاء، مبدئيا، تكون غير إرادية، ويتم تصحيحها من بعد.
أما في عهد إعلام ما بعد الحقيقة، والمسمى أيضا إعلام ما بعد الوقائع، لم تعد الحقيقة هي القيمة الأساسية، أوالقيمة التي تشكل القاعدة. والوقائع لم تعد رئيسية، وصار بإمكان أي كان، وخصمك أولا، أن يعلن أخبارا زائفة وهو واعٍ بذلك من غير أي احترام للحقيقة. والاستفادة من ذلك، أن الخبر الزائف يأخذ طريقه الإعلامية إلى أن يفرض نفسه على الخطاب العام..
وبعيدا عن وسائل الإعلام، نجد أن خبر ما بعد الحقيقة يعني الفاعلين السياسيين أيضا، إما لأنهم قد يسقطون في إغراء استعماله الانفعالي وهم يعتقدون بأنهم يحسنون صنعا، وإما لأنهم قد يكونون هدفا له..
ومن هذا الباب، فإن الحقيقة- بالنسبة للمغرب- في قضية عادلة، هي أكبر حليف لنا..وعلينا أن نوظف لها كل طاقاتنا..
ونحن معنيون كثيرا بهذا الأفق، لأنه أفق وطننا ووجوده. حليف لنا!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 25/01/2021