صدقوا الحكومة إذا قالت «نحن جزيرة، لا جزء» من هذا العالم!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لا يمكننا إلا أن نحسد الحكومة حاليا على الثقة العمياء التي تملكها في قدرتها على تحليل آثار الحرب الروسية – الأوكرانية، في وقت توافقت كل التحليلات على أنه زمن الشكوك و»اللايقينيات« والتخوفات..
ولا يمكننا إلا أن نرفع القبعة عاليا لمزاجها الرائق في خضم هذا التشاؤم العام الذي يقض مضاجع المغاربة جراء الآثار التي على بالكم.
لمعرفة هذا المزاج الحكومي الرائق، يكفي أن يستمع المرء للتصريحات التي تعقب المجلس الحكومي، في كل أسبوع، ويستمع بإمعان إلى ما يقوله لسان الحكومة، السيد بايتاس . وآخر ماتفقد الحكومات، كما تعرفون، هو لسانها.
يتضح من خلال تصريحه في الندوة الصحافية، عقب اجتماع مجلس الحكومة الأخير، أنه »في إطار ارتباط بلادنا على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى المبادلات مع روسيا وأوكرانيا، فإنه لن يكون هناك أي تأثير على مستوى المواد التي يمكن أن تحتاجها بلادنا«.
شعرت بشكر طافح، لأولى كلمات الناطق الرسمي وسرت فيَّ راحة لم تمنحني إياها أي أغنية من أغاني فتح الله لمغاري بما فيها «الله على راحة الله، ما بقاش البال يخمم».
غير أن صوتا قادما، من حيث لا راحة ولا نظام، تردد في أعماقي بهمس :من فهم منكم أن ذلك يعني أنه لا أثر للحرب على المعيش اليومي للمغاربة، عليه ألا يتعجل ويصبر رويدا رويدا، لأن الوزير سيدقق كلامه ويجعل لهذه الطمأنينة مقابلا مفاده أنه سيكون هناك تأثير على مستوى الأسعار..«!
إذا لم يحصل تأثير في المواد التي نستهلكها، فلماذا ستتأثر الأسعار؟
وهل سترتفع بدون اختلال في العرض والطلب؟
هي أسئلة »القاريين بزاف يا عم ..»!
فلا مبرر لكي نعتبر أنفسنا جزءا من الدول التي ستتأثر بالحرب، وليس هناك أي دليل لدى الحكومة، التي تعرف كل ما يجول في خاطرنا وخاطر العواصم المتحاربة، يثبت بالفعل أننا جزء من هذا العالم، فنحن جزيرة لا يمكن أن تطالها عواقب ما يجري في حدود أوربا القديمة- الجديدة.
وعلى الليبرالي المتنور – ومن أمثاله عدد وافر في الحكومة – الذي اعتقد أن العالم قرية صغيرة تتأثر بشكل متواز، نقول أجرك الله في عقلك الليبرالي الذي لقي حتفه قبل الحرب بقليل..
أما بائع السمك اليساري، فنقول له أيضا مات لك الحوت الإيديولوجي القديم وصارت الإيديولوجيا زراعة »بورية«.. لأن الحرب برية محضة!
والغريب أن الخطاب الرسمي هو نفسه يحرك علينا المواجع ويغرقنا في ما لا نحبه من حيرة، في زمن تصر الحكومة على راحة بالنا.
فقبل هذا التاريخ، وفي مجلس حكومي آخر بالضبط، كان الوزير نفسه قد خرج من الجلسة الحكومية الأسبوعية وهو يقول إن الحكومة سجلت »أن هناك ارتفاعا “غير مفهوم” على مستوى بعض أسعار المواد الأولية«..
طبعا أنا بدوري لا أفهم شيئا»غير مفهوم، لكن مع ذلك عندما تقول الحكومة ذلك، فإن عدم فهمي يزداد أكثر، وأنا في كامل قواي الاقتناعية وفي حالة انشراح غير مفهومة…الحكومة قالت قبل قليل إن لا شيء سيحدث لنا بإذن الله، ودعوات »الطُّلبة« بين العشاءين. وإذا حدث شيء ما، فهو غير مفهوم والسلام..
واللسان الحكومي، قال من قبل إن الشحن ارتفعت أسعاره بنسبة تتراوح مابين 600 و700 في المائة….. إلى جانب الندرة على مستوى المواد الأولية«.
أحاول بالفعل أن أجد منطقا يجعل راحتي مسترسلة، ولا يشوش عليها عقل..غير أنني أصطدم بأن القضية عند الحكومة تستعصي على الفرح الساذج.
فبالنسبة لقناعة راسخة ترى بأننا لا يمكن أن نتأثر بالحرب، فإن وجود »شيء غير مفهوم» في ارتفاع الأسعار، لا يمكن أن يمر بدون تعليق: من الذي تسلل إلى السوق، أهُمُ الأوكرانيون أم الروس أعداؤهم الذين اقترفوا زيادة غير مفهومة، أم تُراهُ اللفيف الدولي الذي يتسابق إلى المنطقة؟
وبالنسبة لقناعة حكومية راسخة بأن الندرة قد تحدث، كما حدثتنا منذ أسبوعين، هل الحديث المُطمئِن قناعة جديدة لا علاقة بالتحليل السابق أم هو »ترتيب جديد « بمبررات غير التي سيقت في المرة السابقة؟
يشهد الله أنني أكتفي بطرح الأسئلة بنية صافية.
وللحقيقة، فأنا بدوري لم أشعر بآثار الحرب لولا أن زوجتي بدأت تفقد أعصابها كلما طلبت مني أن أشرح لها قصة ارتفاع ثمن الطماطم، والغازوال ومواد أخرى عادة ما تبحث عنها في المدة السابقة لرمضان المبارك.وأنا أدافع عن الحكومة وأقسم بأنني أصدق صديقي بايتاس الودود!
وبدوري لم أكن أعرف بأن جانبا غامضا، يخضع لقوة غيبية وراء الزيادة في الأسعار…
على ذكر الأسعار، لحد الساعة، والعالم كله يتكلم عن النفط والغاز والمحروقات بكل أنواعها، وضرورة التحكم فيها، ترى الحكومة أن نرتاح طويلا، لأننا في منأى عن أي إجراء يمس المالية العامة..
وكان بِودِّي لو أسعف الحكومة بكلمات، ولو قليلات في زمن تعز فيه اللغة للحديث عما يقع، وأنا أرى كبرى الاقتصاديات تترنح بفعل ما يقع في أنابيب الغاز والنفط.
كان بودي ألا أحدثها عن تسقيف الأسعار، ولا عن تلك المبالغ الخيالية التي لسبب »غير مفهوم،« تتنامى مثل الفطر في بداية موسمه، وتَيْنَع في حسابات كبار الموزعين.
ولا أخفيكم أنني أود ألا أصدق بأن هناك من يجمع قرابة 40 مليار درهم في حرب لا تأثير لها علينا، في وقت نجأر بالشكوى في هوامش المشهد الرهيب الذي يُخيم على العالم، كما لو كنا ألمانيا التي ترتعد أو فرنسا التي تبحث عن اقتصاد للحرب أو غيرها من دول أوربا التي تحارب وترتجف من البرد ونقص المواد الغذائية..
بودي أيضا ألا أحدث الحكومة عن »سامير«، فالموضوع صار »غير مفهوم بدوره»، بسبب هذا العناد في تعطيل حل بيد الحكومة والشعب والمهنيين، من أجل الصالح العام..
في عالم الحروب تكون هناك دول تصنف عادة كدول هشة، بسبب الأزمة، لا بسبب بنيوي، مرده ارتباط معيش سكانها بالاستيراد، وحسب معطيات منظمة التجارة الدولية، فنحن من ضمن الدول الأربع عربيا ومتوسطيا التي تراقب بغير قليل من التخوف، انقطاع الاستيراد في ميدان الحبوب. فنحن ومصر،أكبر بلد يشتري الحبوب في العالم، والجزائر وتونس ضمن خانة المتأثرين، أو على الأقل كانت تلك قناعتي قبل البلاغ الحكومي. ونحن من بين دول المحيط المتوسطي ذات الارتباط بل الارتهان إلى القمح الروسي والأوكراني..
ونوجد بين مطرقة المتحاربين وسندان الحصار الاقتصادي، والحل باهظ الثمن إذ أن الثمن في حال تغيير البائع، سيكون مبلغا واقعيا أكثر من الخيال، وخياليا أكثر من قدرتنا الواقعية..
يمكن أن يستوعب عقلي، بالرغم من أن الحكومة لم تحدثني عن الموضوع بالمطلق، أن ارتفاع أسعار الفوسفاط ، كاعتماد استراتيجي مغربي، يمكن أن يعوضنا قليلا عن هول الفاتورة النفطية وفواتير الحبوب، ولكن لكي أجد الراحة إياها لا بد لي من الحديث من زاوية وجود »تأثير« ما علينا، ولكن معضلتي أن الحكومة ترفض هذه الاستنتاج جملة وتقسيطا!..
فلا هي مستقرة على رأي بالنسبة للتأثيرات على الأسعار،
ولا هي تعرف من يؤثر عليهما معا..في غيابها !
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 14/03/2022