صديق ظل يصنع المستقبل..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ليس سهلا أن تجد نفسك في مهمة عزاء طارئة، في وداع إنسان توطدت علاقتك به، وهو على أهبة الرحيل، ذلك ما حدث لي عصر الأربعاء الماضي، والحفارون يحفرون قبر شوقي بنيوب فيما المساء يرسم رمس الشمس في المغيب…
قدم شوقي بنيوب وجها سياسيا من يسار منفتح، وسريع البديهة، وبفعل نباهته السياسية استشعر أن المغرب يحتاج إلى بوابة حقوقية ليدخل التاريخ مجددا، ويعتني بصورته في القرن القادم بجلبة الحروب الشرقية والغربية، وباجتماعات الإنسان القادر على حماية قسطه الإنساني وسط الزوابع…
عرفته مناضلا حقوقيا، كما لم أسبر أغوار فهمه السياسي..في وقته لكن عرفت أنه عرف المعنى الذي قد يتكرس للسياسة في لحظات معينة: الذاكرة، العدالة الانتقالية والحق المقارن…
مات ستة من أعضاء لجنة الإنصاف والمصالحة التي اشتغلت بجوار محمد السادس، وقبله بقليل، على ذاكرة حارقة، وآثار نحتتها الجماعة المغربية على صخر الذاكرات….تلاقت مساراتنا في الكثير من الأحيان حول الفهم الذي يجب أن نعطيه لهذه المصالحة، «الإنصاف» وحده أم الإنصاف والإنصات للضحايا وترميم الذاكرة بالكثير من أنوار المستقبل، الضوء مجد كثيرا في خياطة الزمن السياسي القادم، هكذا رفعت اللجنة شعارها مسنودة بنضالات المناضلين وأرواح الشهداء وآلاف القرون من الاعتقالات…… وهكذا حرضت المناضلين على الخروج من سجون الماضي إلى رحبة المساحة المستقبلية التي يمكن تهيئة حيزها بالكثير من الأبيض والمشرق…
النقيب عبد الرحيم الجامعي، الذي أجد صعوبة في رفع بصري إليه من شدة الاحترام وتقدير قدرته على الحق وصلابته في صياغته، ووجه بشوش، صافحني وعزاني وقال لي بهدوئه: اثنان كان يحدثاني عنك كثيرا، رحمهما لله: يحيى البودراري وأحمد شوقي بنيوب«.
زاد حزني وتضاعف بفعل هذا الحديث الغائب، الذاكرة الغائبة عني.
لا أنكر أنني شعرت بحزن دفين وبرغبة في البكاء…
وعادت لي لحظات بعينها:
يوم التقيته آخر مرة، في المقبرة ذاتها، وكنا نودع خليل الهاشمي الإدريسي، أخذني جانبا وسألني: ألا تحب أن تغادر البيضاء، لا بد أن «تدخل» الرباط.
ابتسمت وأنا أدرك ما ينويه، تمنيت له الصحة الكاملة على أن نلتقي ونرتب خطة لتجسيد ما نواه كما اعتقد واعتقدت…
بعد أقل من يومين، أخبرني طالع السعود الأطلسي، ومعه الزميلة زليخة بأنه في وضع صحي حرج للغاية…
الذين زاروه ومنهم عباس بودرقة والأستاذ الجامعي تحدثوا عن مريض لا يذكر مرضه، قل مريضا ينسى أنه مريض بأربعة أنواع من السرطان، وما زال يواصل استدراج المستقبل ويتحدث عن زيارة الصحراء بمجرد معافاته…
لم يدخل المستقبل لكن هذا الأخير أشاح بوجهه كما تقتضي سنة لله في خلقه.
وعندما تابعت الحضور النوعي من كل الأطياف ومن كل الحساسيات، استعدت قدرته على نسج العلاقات، مهما كان الاختلاف، وتذكرت نقاشات، بعضها كان في لقاء برامج تلفزية، منها واحد داخل مجلس حقوق الإنسان، الآن، حيث كان يشتغل إدريس بنزكري، رفقة خديجة المروازي وعبد الحي المودن وإلياس العماري، وكانت الذاكرة والماضي القاسي، وتطهير المستقبل من آثاره، موضوع المناقشات…
مرة، وبلا سبب، زارني في الجريدة، ليخبرني بأنه سلم اسمي لأحد المشرقيين يريد الكتابة عن الإعلام والانتقال السياسي والحقوقي، كموضوع لكتاب أو بحث، لم يكتب له النجاح…
كانت لشوقي بنيوب قدرة كبيرة على تدريج الشأن الحقوقي، وقدرة كبيرة جعلت أحد العارفين بالمجال يصفه «بالعالم» في ميدان الحقوق والتشريع الأمني والتجارب المقارنة، وهو ما خوله تبوء منصب الدفاع عن المغرب الذي كان أحد صناع حاضره الحقوقي باعتباره المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/10/2023