صناعة السلام made in Maroc

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
من المنتظر أن يصدر بلاغ رفيع المستوى عن المؤتمر البرلماني الدولي لحوار الأديان المنعقد بمراكش، لا شك أن الإعلان عنه سينطلق من مسلمة كبرى مفادها أن الأساسي قد تحقق، بحيث اعتبار أن انعقاد المؤتمر لوحده ( انظر العمود الخاص بالموضوع منذ أيام) يشكل حدثا وعتبة لم تكن متوقعة منذ مدة يسيرة.
كما أن المحطة الحالية، من جهة ثانية، لا تأتي في سياق معزول، بل هي تدخل ضمن النسيج القيمي والسياسي والمؤسساتي، الذي أصبح المغرب يوفره للعالم من أجل التشاور وتبادل الآراء وصياغة المواقف ووضع التشريعات في ما يخص إحدى القضايا الأكثر تشابكا وتعقيدا ودموية في أحيان كثيرة عبر مجموع الكوكب…
الشركاء الدوليون في هذه المحطة، يجدون أمامهم شركاء مؤسساتيين، معبرين سياسيين وروحيين عن التزام المغرب، منهم البرلمان بغرفتيه والرابطة المحمدية للعلماء، إضافة إلى المنظمات التي يتواجد فيها بقوة كما هو حال منظمة أديان من أجل السلام، وتحالف الحضارات …
وصناعة السلام، كما صارت معروفة، تقوم على العديد من المرتكزات، منها بناء الثقة وتعزيز المصالحة، وهو أمر صارت للمغرب فيه دربة دولية (تدبير الملف الليبي نموذجا)، والتواجد من أجل تفعيل الحل الديبلوماسي ودعم عمليات السلام ( إفريقيا والشرق الأوسط )، بالإضافة إلى ما يتعلق بتشجيع الفضاءات الدينية على التعايش والقبول كل واحد بسماء الآخر، لتكون الأرض للجميع.
نحن معنيون بما يؤمن به الناس، ولعل لنا في العالم العربي الإسلامي آخر داخلنا، آخر يوجد بيننا من تحت نفس القبة العقائدية (حال الشيعة والسنة، والذي يخلف مئات القتلى بل الآلاف عبر العالم الإسلامي، لا سيما في الشرق الأوسط، وفي الشرق الأدنى، وما زالت الهوية الدينية بدورها مصدر حروب بحيث لم يسبق أن كان الآخر المختلف، ولو ضمن الوحدة، كما هو اليوم، مصدر قلق وجودي وإغراء بالوحشية! ومع تزايد الهجرات ورفع مشانق العنصرية في الدول التي تغذي نفسها بالشعبوية، صار التفكير البديل في الهجرة مدخلا قويا لنشر التسامح وتقويض قيم الكراهية ( المغرب له أيضا تجربته الفريدة ولعل عنوانها الكبير هو كون ملكه رائد الخبرة باسم إفريقيا، وهو يستضيف حاليا النسخة الثالثة من المشاورة العالمية بشأن صحة اللاجئين والمهاجرين، التي تروم الوقوف عند التقدم المحرز على مستوى النهوض بحقوق المهاجرين والولوج إلى العلاجات الأولية).
ولعل أفدح أشكال العنف ورفض الآخر والأحقاد تتمثل في الإرهاب، وهو نقطة على جدول الأعمال الدولية، تتقاطع حولها السياسة والدين والأوضاع الاجتماعية والحالة الذهنية لكل حضارة، إلى آخره ( المغرب كان وراء تأسيس وهيكلة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي تولت المملكة رئاسته المشتركة لثلاث فترات، من 2015 إلى 2022).
نحن معنيون بما ينتج عن عدم التسامح، ونحن معنيون بجميع أشكال التمييز، وما يتصل به من تعصب وكراهية وتطرف وأعمال عنف ضد الناس على أساس أصلهم العرقي أو لون بشرتهم أو دينهم أو معتقدهم.
والمغرب أثبت بأنه دولة ذات مسؤولية سياسية غير محدودة في صناعة التعايش والانتساب إليه، ليس وصلة دعائية موسمية مليئة بالنوايا الحسنة بقدر ما هو التزام مؤسساتي وحضاري وتشريعي… الأمر الذي يطرح القدرة الكامنة في البرلمانات الوطنية من أجل تشريع يخدم هذا الأفق، ويقلص هوامش تحركات القوى الظلامية المتطرفة من أي نوع كانت…
صناعة السلام دائمة ومستمرة، ولا يمكن أن تكون فيها أي هدنة كي لا تتسلل الحرب ولا يتسلل العنف والقتل…
تواجه صناعة السلام أطماع متوحشة يغذيها سادة الحروب، والديبلوماسيات الفاشلة والأنظمة العاجزة عن المشروعية والعاجزة عن الإقناع، والتي تحتاج إلى عدو خارجي مستمر ورهن إشارتها في الطلب والممارسة لتصب عليه فائض العجز والغضب.
وهي أنظمة تعتبر صناعة الحروب هي رساميلها الوحيدة وبراءة الاختراع الكفيلة لها بموقع قدم فوق الأرض.
والعالم ليس في حاجة إليها، وقد صار يعاقب هذه التكتلات بما يليق بها من عقوبات ومن العزلة على الساحة الدولية.
إضافة أن ما يزيد من قوة الإقناع المغربية، هو نجاحه في ضمان استقراره الذاتي وتسامحه وتراثه في هذا الباب، كما مساهمته في الاستقرار في المنطقة، التي تعود في كل بلاغ أو بيان صادر عن شركائه، هيئات ودولا، بالرغم من وجوده في قوس الأزمات كما يسمى، في غرب القارة وعلى مقربة من برميل جنوب الصحراء والساحل، وفي قلب الديناميات المتأججة في الشرق الأوسط.. وهو بحد ذاته إنجاز تاريخي يحسب للمملكة…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/06/2023