صندوق لدعم الديموقراطية في … فرنسا!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
منذ سنة ونصف تقريبا (8 أكتوبر 2021 بالضبط ) أعلن إيمانويل ماكرون عن إنشاء صندوق للإبداع من أجل الديموقراطية في إفريقيا. وكان المبلغ الذي خصصه له يناهز 30 مليون يورو (أي 30 مليار سنتيم) على ثلاث سنوات. وفي تدبيج فلسفة الصندوق قال ماكرون وقتها، وهو يستعد للولاية الثانية على رأس الإليزيه، إن المبلغ سيساعد “الفاعلين في التغيير” في قضايا القارة، لا سيما منها الحكامة والديموقراطية..
لا أحد يعرف الآن بالضبط ماذا تحقق، لكن الكثير من أصحاب ألسنة السوء، من الفرنسيين، بالأساس، صاروا يعتقدون بأن ماكرون عليه دعم الديموقراطية في فرنسا أولا.
ليس لي أن أسخر من بلاد الأنوار، ولا أن أميل إلى تسويد صفحات ماكرون معنا أكثر مما هي سوداء، لكن الذي يجب أن لا يغفله المتابع لباريس، هو النقاشات والاستطلاعات التي تهم الديموقراطية في فرنسا منذ مجيء الرئيس المدلل على صهوة موت الأحزاب التقليدية وضرورة بناء جمهورية في السراب الإديولوجي، بدون الحاجة إلى الشعب، اللهم إلا للتصفيق والمديح.
ـ أولا يدور نقاش حاد وشرس بين الحكومة، في شخص الوزيرة الأولى إليزابيت بورن ووزير الداخلية جيرار دارميان من جهة والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان من جهة أخرى، وفي قلق النقاش تهديد الحكومة بمنع الرابطة من الدعم العمومي بناء “على تقييم أنشطتها”، من لدن الجهاز التنفيذي! بمعنى آخر، إذا اتضح للحكومة بأن الرابطة تنشط بما لا يرضي الجمهورية والسلطة فيها، فإنها تمنع عنها الدعم و”تغلق الصنبور ـ الحنفية ـ الروبيني ـ البزبوز”! وهو ما سيدفع الجمعيات الإفريقية لحقوق الإنسان إلى النضال من أجل حق الرابطة الفرنسية في الاستفادة من مبلغ 30 مليار سنتيم “صندوق دعم الإبداع من أجل الديموقراطية” .. في إفريقيا!
ثانيا: لا أحد كان يعتقد بأن الرابطة ومعها كل الحقوقيين واليسار والليبراليين المتزنين سيجتمعون على الاحتجاج على حكومة ماكرون في هذا الموضوع، لو لم يكن هناك قطاع واسع من الرأي العام الفرنسي يرى الأسلوب الذي عالج به إيمانويل ماكرون قضايا اجتماعية مهمة في ولايته والأسلوب العنيف والشرس الذي استعمل في مواجهة الاحتجاجات، مما صار من العادي اتهام انتهاك الحكومة بتقويض الديموقراطية..
ثالثا: كان الفرنسيون يتخذون من تصريحات رئيس الرابطة باتريك بودمان صك اتهام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كلما تعلق الأمر بالعالم، كل العالم، حتى صار يرد على دولته على صحفات لوموند بالقول” إن الحريات في فرنسا في خطر”، وقتها لم يمنع الأفارقة أنفسهم من ابتسامات على الطريقة الفرنسية نفسها، ابتسامة لسان حال من يقول” هل يقصد فرنسا الفرنسية حقا؟”.
رابعا: يوم الجمعة الماضي نشرت “ليبراسيون” اليسارية على صدر صفحتها الأولى، عنوانا شديد اللهجة كما يقول الشاعر:« أنقذوا الديموقراطية»SOS démocratie، وعنوانا فرعيا باهظ الثمن: “المؤسسات مع ماكرون، عصر التآكل ” تميزت بالتطبيق العمودي (بمعنى ضد الأفقي) والعمودي (أي من العمود ـ العصا) ” لدستور الجمهورية الخامسة 1958..
خامسا: إبان استطلاع الرأي لفائدة اليومية الفرنسية نفسها أن 76 ٪ من الفرنسيين يعتقدون بأن الديموقراطية في “صحة سيئة” و50 ٪ منهم يعتبرون ممارسات الرئيس “سلطوية”، والحقيقة أن هذا القاموس هو “حكر” على بلدان الغير، ومنها بلداننا الإفريقية! لهذا فهذه الرياضة التي كانت وطنية في القارة السمراء صارت لصيقة بفرنسا الحالية، بل أني لم أتردد شخصيا في مقاربة صورة القوات الأمنية أمام المجلس الدستوري وحة البث في دستورية قرار ماكرون حول التقاعد وتطبيق المادة 3.49 بلقطة من فيلم “إنها تمطر فوق سانتياغو” Il pleut sur Santiago الذي عالج الانقلاب في عهد بينوشيه .(مع الاحتفاظ بالفارق طبعا).
الاستطلاعات تكشف تراجع منسوب الثقة لدى الفرنسيين في مؤسساتهم، وتآكلها الديموقراطي. على قاعدة الشعور بـ«الاحتقار والانفصال عن الواقع والخيارات المفروضة»..
هل سيفتح ماكرون بندا في صندوق دعم الديموقراطية لصالح إفريقيا في وجه منظمات بلاده الحقوقية وقطاعات من العمال والأجراء والطبقات الوسطى التي أصيبت بالإحباط؟
وقبل ذلك: هل سيسمع هذا الاحتجاج الصاعد من أعماق مجموع طبقات المجتمع والذي يتهمه بالسلطة والعجرفة وتقويض الديموقراطية ؟ ثم يفكر بعد ذلك كيف يجد حلا..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 18/04/2023