ضربة «لمعلم»، في آلية التشاور.. 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تقتضي النزاهة الفكرية والنباهة الأخلاقية الإقرار بأن دعوة جلالة الملك إلى مد الجسور مع الجزائر بدون شروط وبشكل ثنائي، لم تكن متوقعة، لا في المنتديات الخاصة والرفيعة للبنية السياسية المغربية ولا في أوساط البناء الإعلامي للمواقف، وهو ما يعطيها بالفعل قوة ارتجاج حقيقية …ويبوئها مركزية في تحليل مستجدات الحياة الوطنية.
وتقتضي القراءة الموضوعية ألا يتم فصل الرسالة الملكية عن سياقها الذي وردت فيه.
أولا سياقها في نص الخطاب، أي في كونها جاءت عتبة للخطاب الملكي، بدأ بها قبل أن يتناول القضية الوطنية وتفاعلاتها الدولية.
ومكن لهذا الترتيب أن يأخذ معنى سياسيا باعتبار ملك البلاد اختار أن يتوجه إلى الجزائر، باعتبار العلاقة معها في تقدير بلادنا، يمكنها أن تتحرر من ظلال وثقل القضية الترابية المقدسة للمملكة إذا شاءت الجزائر.
وهو في الوقت ذاته يعرض على الجزائر فصلا بين القضية المركزية بالنسبة للمغرب والقضية الثنائية المتعلقة بالأخوة والبناء المغاربي المشترك.. وهو عرض يمكن أن يساير، ولو ظاهريا، الأطروحة الجزائرية بأنها تفصل بين الموقفين…، وهي قراءة لا تخلو من وجاهة» في بنية الخطاب« إذا استعرنا مقولة من الحقل الدلالي الأدبي..
غير أن نفس الزاوية، أي منطق السياق الذي ترد فيها، يحملها في الوقت ذاته معنى مرتبطا ارتباطا وثيقا بمجريات الحقل الحالي..
غير أن منطق السياق نفسه لا يحرمنا من قراءة تجعلها ضمن منظومة الرسائل المرتبطة بتحليل معطيات ما بعد قرارات مجلس الأمن أو قبل لقاء جنيف..
كيف ذلك؟
فهي، بالرغم من أنها تعود مرات عديدة منذ اعتلاء الملك العرش، فإنها تظل محكومة بسياقها، الذي يعد شرطا في قراءتها..
سياق ذكرى المسيرة: فالمسيرة، كانت بداية تحرر الأرض وإعادة تعريف المغرب لوحدته الترابية منذ أن حرم منها في بداية القرن العشرين ضمن تقسيم التركة الاستعمارية.
وهي في الوقت ذاته لحظة استعادة تاريخ مفصلي في حياته الوطنية المستقلة، والتي ترفعت عنها القضية عندما رفضت الجزائر هذا المعطى التاريخي الترابي الإنساني..
سياق القرار الأممي الأخير:
لقد وضع القرار 2440 الجزائر في قلب القضية الترابية للمغرب.
فهي ثالث دولة مغاربية معنية بالحل، بل بالمشاركة في صنع مستتبعاته. ولا يمكن أن يتم فصل ميكانيكي حاسم بين سياق الدعوة وسياق ما بعد القرار.. لاسيما وأن بعض حيثياته تخلص إلى أن القضية الوطنية واستحالة الحلول التي عرضت إلى حد الساعة، تقوض في النهاية بناء المغرب الكبير وتنخر العلاقات المغربية الجزائرية التي تشكل قطب الرحى فيها.. وعليه فإن الحيثيات التي بنى عليها جلالة الملك ضربة المعلم «هاته بعضها، البناء المغاربي، التحديات المشتركة، عدم الاستفادة من الإمكانيات الهائلة للبلدين والمنطقة… …إلخ، وردت حرفيا وضمنا أيضا في القرار الأممي المذكور وفي تقدير شروط المفاوضات..
سياق التوقعات الخاصة بلقاء جنيف: بعد شهر سيكون على الدولتين اللقاء في جنيف للتفاوض حول شروط التفاوض حول الحل السياسي النهائي المقبول من كل الأطراف في قضية المغرب الترابية.
والجزائر ستحضر بمتقضى القرار الأممي كبلد معني، وهو أمر طالب به المغرب مرارا.
وتحت مظـلة أممية ظلت ترفض الانخراط فيها، بدعوى أن الخلاف ثنائي مغربي- انفصالي..
وعليه فإن الدعوة المغربية، منظورا إليه من هذه الزاوية، تستوجب أن نقرأها عبر الشبكة التالية:
الجزائر وجدت نفسها الآن أمام خيارين بمضمونين اثنين:
خيار أجمعت عليه تقريبا كل دول مجلس الأمن، يورطها عمليا في البحث عن السلم وهو ما يفترض فيها أن تكشف عن أوراقها أمام العالم، بدون رتوشات مبدئية أوتاريخية أو غير ذلك من التسويغات التي لم تعد تقنع أحدا.
وهذا الخيار أصبح في حكم الشيء المقضي به دوليا. ويشترط التفاوض تحت الرعاية الدولية، أي بحضور الوسطاء، وبالتالي الترابط بين القضيتين الوطنية والثنائية، وهو ما تقول إنها ترفضه..
والخيار الثاني هو الذي ورد في المقترح المغربي
وجها لوجه، وبشكل ثنائي وتحت مظلة مغاربية تاريخية وروحانية ومصلحية، خيار فصل مسار القضية الوطنية عن قضايا العلاقات الثنائية…، وفي اختيارها سيتحدد موقفها بالواضح لا بالتحليل والاستنتاج الرياضي..
الشيء الآخر لقراءة هذه الدعوة ومستقبلها:
إما ستختار الدولة الجزائرية القبول، وبذلك سيكون تاريخ جديد قد بدأ..لا يحدد ملامحه سوى ما يتم الاتفاق عليه.
وإما الرفض، وسيكون تكريسا للواقع الموجود، مع تبعات دولية ستخيم على لقاء جنيف وعلى تفاصيل ما بعده ومخرجاته الممكنة.
إن القبول هو دخول المنطقة في منطق جديد للغاية طالما بحثنا عنه جميعا منذ الحرب التحريرية..
وفي هذا المنطق سيكون المغرب والجزائر رابحين معا والمغرب له ثواب من أصاب بالدعوة.
والرفض هو إبقاء الأمر على ما هو عليه، مع استحضار الظروف الحالية:الظهور بمظهر الدولة التي تعيق أي تقارب، وستكون الجزائر خاسرة، وتدخل المرحلة القادمة من موقع العداء والرفض لأي تقارب يسير نحو الحل… والإعلان الضمني عن ارتباطها الداخلي بقضية خارجية تهم المغرب..
يتبع
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 08/11/2018