عامان على تطهير الكركرات: المغرب يغير جذريا مقومات القضية الوطنية لصالحه…

عبد الحميد جماهري

 

أول أمس البارحة الأحد 13 نونبر مرت سنتان على تطهير الكركرات وإفشال خطة الكماشة الجديدة، التي أرادت قوى العدوان أن تفرضها على المغرب برا.
وكان واضحا أن رد الفعل على هذه الخطوة المغربية الذكية والسلمية، سيكون سعارا ديبلوماسيا وإعلاميا وسياسيا، يريد أن يعيد الأمور إلى ما قبل 13 نونبر .
وإذا كان لا بد من مقارنة، فيحسن بنا أن نربط بين آثار معركة امغالا التي سبقت حسم المعركة ميدانيا، وبين تطهير الكركرات. ومع استحضار الفرق في الطبيعة والدرجة، فإن ما ترتب عن حسم «امغالا» ، من حيث إحداث منعطف فاصل لصالح المغرب، يمكن أن يحيلنا ، من باب الاستقراء، على تطهير الكركرات، باعتبار أن الحدث شكل تطورا نوعيا ومميزا في تطورات قضية المغرب الترابية.
لعل تدبير تطهير الكركرات ونسف الخطة العدوانية في تطويق المغرب جنوبا وفصله عن عمقه الإفريقي برا، بعد فشل معاكسة عودته المؤسساتية إلى إفريقيا عبر الاتحاد الإفريقي، كان مرحلة حاسمة أيضا في تغيير مقومات القضية أوبراديغماتها، دوليا…
ولعل البراديغم الأول هو تحويل الدولة الحاملة للقلم إلى داعم واضح وصريح للمغرب في وحدته الترابية، إذ أن تطهير الكركرات بدا كأنه عتبة اشتغل عليها المغرب طويلا في التحول العميق في معيار القضية بما يخدم المصلحة الوطنية.
وكان الاعتراف الأمريكي، وما صاحبه من اتفاق ثلاثي، بمثابة إحداث التغير الجوهري في البراديغمات الجيواستراتيجية في عالم يبحث عن صيغة توازناته في الأقطاب الجديدة.
وقام المغرب بذلك بعمق وفهم استراتيجي كما تبين من خلال المتن الملكي في صياغة شراكات المغرب الدولية.
ولعل خطاب أبريل 2016 في قمة الرياض التي جمعت دول الخليج والمغرب، وخطاب جلالته الخاص بوضع القضية الوطنية كعَتَبةٍ شرطية لأي علاقة مع أي دولة حليفة كانت أو صديقة أو شقيقة، خطابان تأسيسيان في هذا الباب..
لقد وضع الملك البراديغم الصلب للدفاع عن مصلحته من باب الوعي « بأن قواعد التعامل تغيرت « ، ولا يمكن أن نستحضر هذه القواعد بدون توضيحات الملك التي توجه بها إلى دول العالم في خطاب 20 غشت 2021 بمناسبة الذكرى 68 لثورة الملك والشعب..
لقد قال الملك وقتها :»هناك من يقول بأن المغرب يتعرض لهذه الهجمات، بسبب تغيير توجهه السياسي والاستراتيجي، وطريقة تعامله مع بعض القضايا الدبلوماسية، في نفس الوقت. هذا غير صحيح. المغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون؛ لأنه لا يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا. وفي نفس الوقت، يحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة..»، وسيثبت هذا البعد بعد سنة بلغة استعارية واضحة لا غبار عليها عندما أكد « أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم»، مشددا على أنه أيضا «هو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات».
ولم يكن القصد هو فقط المتلكؤون في الاعتراف للمغرب بحقه في أرضه، بل أيضا كصيغة لفهم الخطوات كلها، وفهم العلاقات، فكل علاقة كانت في خدمة القضية هي علاقة سليمة ولهذا لم ينتبه المغرب إلى كل الهجومات والتشويشات التي همت استئناف علاقته مع إسرائيل، من باب الاتفاق الثلاثي، بل لم يعزلها عن هذا المبدأ السامي المتعلق بالدفاع عن ترابه وأبنائه…
لقد فتحت عملية الكركرات الأفق واسعا أمام التأثير على طريقة تدبير القضية الوطنية، كما أظهرت عجزا فاصلا في توجه كل الأطراف المعاكسة، بل بينت، في الجدول الزمني للقضية أن خطابات الأطراف المناوئة للمغرب خطابات مشدودة إلى براديغمات قديمة تجوووزت، براديغم الاستحالة بالعودة إلى 1991، حتى بالنسبة لمن يحنون إليه…
فلم يعد بمقدور هاته الأطراف أن تفرض تغييرا في معطيات الميدان بادعائها الخروج من مسلسل وقف إطلاق النار أو مسلسل التسوية السياسية، لقد اتضح أن الزمن تجاوزها بمنطق إشكالي جعلها مثل الكائن الذي لا يعرف بأن الزمن تجاوزه ويصر على أن يعيش على طريقته القديمة، أو يجر العالم إلى رؤيته هو..
ومن المتغيرات التي ترتبت نجد التوجه الدولي العارم الذي تبنى الحكم الذاتي، الذي عزل خصومه، كما أن المرجعية القانونية تغيرت من حيث بدايتها، ولم يعد أحد يتحدث لغة 1991، سنة وقف إطلاق النار ولا أحد يتحدث عن الاستفتاء ، كما أن حصرية النقاش في القضية صارت بيد الأمم المتحدة، بل في مجلس الأمن بالتحديد، ولم تتغير اليد التي تحمل القلم في القرارات الهامة للقضية بعد أن أصبحت تعترف بسيادة المغرب، وتحولت الأضواء في شمال إفريقيا، وفي غرب المتوسط، كما تحددت سياسات الدول الأوروبية على ضوء ما خلقه المغرب من متغيرات تهم جذر القضية ومآلها..
ولعل المستجد الأكثر خطورة هو وصول الحساب الإيراني إلى المنطقة، مستجد سبق للمغرب أن حذر منه ومنذ سنتين، واليوم يتضح أن نقل التهديد إلى شرق الجدار الأمني سيغير من الطبيعة المعقدة للمواجهة.
ولم يخف المغرب قلقه من الأمر، بل عبر صراحة عن إرادته في الرد، حسب المعطيات التي تتحدد، وهو الرد الذي أعرب عنه عمر هلال في رد على سؤال حول معلومات تفيد باقتناء « البوليساريو « لطائرات مُسَيَّرة « درون « إيرانية، خلال مؤتمر صحفي عقده عقب اعتماد مجلس الأمن للقرار رقم 2654 القاضي بتمديد ولاية بعثة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2023…
من جهة هناك متغير يجعل إيران تنقل الصراع والحرب من شرق العرب إلى غربهم، أما على المستوى العسكري، فإن «هذا المعطى المستجد سيشكل، إذا اتضح أنه صحيح، عاملا يغير قواعد اللعبة «، بالتالي فإن المغرب سيرد وفقا لذلك. ولعل عمر هلال كان يشير إلى تطهير الكركرات عندما أشار إلى « إنهم (الانفصاليون) يعرفون أن المغرب حين يقرر الرد، فإنه يفعل ذلك بالطريقة المناسبة…».

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 15/11/2022