عبارة «ففووووق فجيج» لم تعد صالحة..لوصف السعادة!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 
في كل الأقاليم، وفي كل الجهات سجلت المندوبية السامية للتخطيط» انخفاض معدل الفقر متعدد الأبعاد من 2004 إلى 2014..«.
إلا في إقليم فجيج..
فالإقليم الأسطورة، الواقع على التماس مع الدولة الجارة،
بنخيله المسروق وأراضيه المبتورة منه، يعد من بين الأقاليم العشرة الأكثر فقرا في البلاد..
وهي الأقاليم التي سجلت فيها المقاربة متعددة الأبعاد سنة 2014 »معدلات فقر تتجاوز المتوسط الوطني بالضعفين،
فكيك ب 34,5 في المئة،
وأزيلال ب28,8 في المئة،
وتاونات ب23،4 في المئة،
وشيشاوة ب 23,1 في المئة،
والصويرة ب22,1 في المئة،
واليوسفية ب18,8 في المئة،
وشفشاون ب 18,8 في المئة،
وميدلت ب 17,3 في المئة،
وكرسيف ب 17,3 في المئة
وبولمان ب17,1 في المئة«.
المندوبية أشارت، في الوقت ذاته، إلى أن »تأثير الفقر متعدد الأبعاد في جميع الأقاليم تقلص تقريبا بين سنتي 2004 و2014، باستثناء إقليم فكيك الذي انتقل فيه معدل الفقر من 28 في المئة سنة 2004 إلى 34,5 في المئة سنة 2014، أي بارتفاع نسبي بلغ 23,5 في المئة، عازية هذا الارتفاع بالأساس إلى ارتفاع الوزن الديموغرافي للمناطق القروية لهذا الإقليم، والذي انتقل من 35 في المئة سنة 2004 إلى 51 في المئة سنة 2014، وهو ما نجم عنه انتقال معدل الفقر في المناطق القروية لفكيك من 57,7 في المئة إلى 63,9 في المئة مقابل 11,6 في المئة إلى 4,0 في المئة بالمناطق الحضرية«….
هل يمكن أن ندعي بعد، بأن التعبير عن السعادة، الذي نقول فيه «فووووق فجيج»، لا يزال صالحا؟..
لا أعتقد …
فليس فوق فجيج أي شيء،
لا رجل سعيد
ولا امرأة سعيدة
ولا طفل سعيد
فهو سقف الفقر في البلاد..
وهو الوحيد الذي يسير باتجاه المزيد من الفقر،
لا أعتقد بأن السبب يكمن في ارتفاع منسوب الحياة القروية في هذا الإقليم..
فهو إقليم فجيج منذ عرفناه
وإلى أن نعرفه …
أهل فجيج يعرفون أن ترابهم مقدس، لكنه في الوقت نفسه عانى من انتقام الدولة والنظام
وليس سرا أن أهله لاقوا العنت الكبير، سواء كانوا من المعارضين أو لم يكونوا من المعارضين
فهم من أرض لا تعجب الأنظمة..
ولا يغفر لها أنها كانت في صميم الكفاح ضد الدولة المستبدة في زمن الفحيح واللهب، وقد أدت ثمن ذلك من حياتها الكريمة ورغد العيش..
وقد كان لافتا أنها احتضنت يومي29 و30 من يناير 2005 ، جلسة الاستماع إلى شهادات ومعاناة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بفجيج. وأغلبهم ، وليس حصريا، من الذين عانوا من حملة قمع شرسة واعتقالات لا تعد ولا تحصى ولاسيما في مارس 1973 بتهمة دعم المعارضة المسلحة في أحداث مارس 1973 ….
ولعل المحك الأساسي اليوم للمصالحة الوطنية، في شقها المتعلق بجبر الضرر المجالي هو ألا تظل فجيج رهينة ماض صعب أو جوار مستحيل ..
أفكر في كل أساتذتي، وعلى رأسهم الأستاذ الباهر عبد الرحمان بوكيزرو، الذي علمنا الفلسفة وحبب إلي المعتزلة والمنطق
لكنه علمني النضال السياسي
والتفكير الهادئ وسمو الأخلاق، وله أدين بذلك القسط الرفيع من القيم والإنسانية، والمتحرر من شرط العقيدة لكي يكون المرء إنسانا.. ولا يحتاج إلى أي ادعاء أخلاقوي..لكي يكون سامي الروح.
وأفكر في رفاقي : المحامون منهم والأستاذة والطلبة
و أفكر في النساء الهائلات اللواتي يصنعننا بحب ونخيل
لكي نليق بالمغرب الجميل
أفكر في رحلاتي الطويلات إلى أقصى الحدود
وليالي الصيف الحارة
فوق السطوح و بين الجدران الضخمة التي تلف الأجساد برطوبة لا أحد يعرف النهر الذي جاء بها في عز الصهد….
أفكر في تلك الأجيال المتتالية من شباب القصور
والفجاج التي خاضت الصراع الضاري، وأفكر في المرحوم ساعة
وأفكر في الفقيه الفجيجي
وأفكر في الغائب الكبير بلقاسم وزان، الذي غاب »أيام التسلل المسلح«…
وطبعا في فجيج يوجد «العقل العربي» ماض ان موروكو made in morrocco
محمد عابد الجابري..
فهل يعقل أن فقر الإقليم سببه الوحيد…. هو القرى؟
طبعا ليس من عمل المندوبية السامية أن تدخل منطق الانتقام في جدول الإحصاء
ولا عقلية الثأر من لدن الأنظمة في خانات الحساب
لكن يبقى أن من حقنا أن نقول إن الإقليم الأكثر فقرا،
كان أيضا من الأقاليم الأكثر عرضة للفتك…
ومازلت أكرر أنه بعد دستور 2011 بسنين، عدت إلى فجيج وكان أن وجدت الدرك بحاجزه يسأل عني وعن سبب الزيارة وعن أشياء أخرى خلتها من زمن بعيد..
فجيج زمن
قبل أن تكون مكانا
وفجيج فكرة قبل أن تكون تأويلا..
ومن العار أن نضع في وجه جيراننا أفقر ما عندنا من الأقاليم ولا نسأل: من أين هربنا للتاريخ؟
فجيج أحد أهم المراكز الحدودية مع الجارة الشرقية، ونقطة مؤلمة في العلاقات بيننا، بالرغم من القرب المادي والجغرافي والروحي (أقل من 8 كلم عن مدينة بني ونيف، التي تبدو أضواؤها بالعين المجردة للمقيم والعابر بفجيج )…
وهي واحة الله المحاطة بسلسلات الأطلس الشرقي..
سنشكر المندوبية السامية التي حفرت في هذا العمق الجريح
ونشكرها على هذا الدليل الجديد على أن أمامنا تاريخا بكامله لنقطعه قبل أن نصل إلى جغرافيا قابلة للعيش الكريم….

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/10/2017