عبد اللطيف الجواهري: قهوة أخرى للفساد … من فضلك !

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تربيع المثلث
في بداية شتنبر الذي ودعناه، أي منذ ثلاثة أشهر تقريبا، قلنا إننا «كدنا ننسى الفساد» (فاتح شتنبر 2020).
ومنذ يومين تحدثنا عن «تاريخ المغرب وجغرافيته في الراهن: الوباء، والإرهاب والانفصال(الأربعاء 25 نونبر 2020).
وجاء من أقصى المدينة، عبد الرفيع الجواهري، ليذكرنا بأن علينا أن نربع المثلث من جديد، في مواجهة الوباء، تصرفنا وكأن من أعراضه الجانبية، أن يسد أعيننا عن بعض مظاهره، وأن يصم آذاننا عن بعض سقطات، ثم تعالت أصداء الحركة في الصحراء، لمواجهة الانفصال المتماوت، المتيم بأخبار الحروب وبلاغات الدم المفترض…
وتواصلت أخبار الإرهاب، لتذكرنا بأننا يمكن أن نكون ضحية جديدة له، وهو النشط في شمال إفريقيا والساحل وجنوب الصحراء..
وكدنا ننسى الضلع الإضافي في الرباعية، وطغت الحالة القاسية للانفصال ويوميات موت وبائي معلن، وتسللات الخوف »المُدوْعَش«، إلى أن حان اجتماع اللجنة المالية والتنمية الاقتصادية يوم 24/11/2020…
أطلق الجواهري صرخته..
لقد تحدث والي بنك المغرب أزيد من ساعة وعشرين دقيقة، عن وضعيتنا الصعبة، في ظل وضعية البشرية العامة، لكن النبرة علت عندما تكلم بطراوة لغته المتنقلة من رحيق الدارجة إلى سلاسة فرنسيته البسيطة، ولقاح الفصحى، وكان يرسم بالأحرف أكثر من الأرقام وضعا غريبا على لسانه حقا:
قلت للمندوبية السامية «حينوا مؤشرات التضخم، جددوا هاذ الحريرة
».. لبنك كاتسلف ماشي كتصرف، كما قال والي البنك المركزي الأمريكي..
«طرطقتها لو«، أي قلتها بصراحة، عندما يتحدث عن وزير المالية..
الواقع هو هادا المسلمين.
التهرب الضريبي والغش الضريبي كاين شي أومور invraissemblable لا تصدق..
أمامي نتائج الاستقصاء الذي أنجزه البنك الدولي، بالنسبة للمغرب، في ما يخص معوقات تنمية المقاولات، في أول رتبة الفساد بنسبة 15،5 %
… الرشوة هي الأولى، طبيعي.. القانون يطبق حسب الوجوه، السي عبد الله-يعني بوانو – وجهو مزيان سير مع الباب، وهاد الوجه – يشير إلى نفسه – ضاربو الله خليه جالس هنايا… » كل هذه العبارات المتهاطلة من فمه، كانت قتول لنا بأن المشكلة الكبرى هي الفساد…
الفساد الذي يراعي الوجوه والمقامات، بين الوزراء والمسؤولين الكبار، حتى تحول إلى طابو!..
والشعب المسكين يحافظ على كرامته بالرغم من الجفاف أو الجائحة أو الحاجة. يحكي الجواهري:
قلتها لجلالة الملك رحمه الله..
الشعب بكرامته،
قال لي: آش معنى ذلك..
قلت له : رغم الجفاف والبترول والصحراء، واش هناك شي واحد هتك عرض شي واحد لهذا السبب ، واش قتل شي واحد من الضيق؟«
إنها دعوة من صاحب المال إلى ربط محاربة الفساد بأعلى مستويات بالمغرب من وزراء ومدراء المؤسسات العمومية والمقاولات، على قاعدة أن محاربة الفساد لم تعد قانونا محرما و”طابو”.
وقبل الاقتصاد والمالية تحدث عن السياسة..
»في الثقة مثلا، كيف بغيتيها تكون؟« والحال أن الذهنيات والحروب الصغرى تلغي كل هدف وطني كبير ونبيل اسمه الثقة، مما يمنع المقاول من المغامرة بماله..
هذه هي معضلتنا الكبرى في تقاطع الأضلع الثلاثة الكبيرة..
وفي النموذجية التي يجب أن تعطيها الطبقة السياسية والنخبة والدولة عموما، يبدو أن علينا أن نتأمل ما تفعله الأجهزة التي توجد في تقاطعات هذه الأضلاع الثلاثة العصيبة..
إذ يبدو الجهاز الذي يخول له محاربة الإرهاب، في عمل القضاء والاستخبارات، هو نفسه الجهاز الذي عليه أن يحرص على ضمان ظروف الاحتراز في الوباء، إضافة إلى دوره، ككل أذرع الدولة، في محاربة الانفصال، هو نفسه الذي بادر إلى محاربة المفسدين من داخله وفي علاقة به أو بالقضاء.. وكانت لنا في نهاية شهر غشت …ما اصطلح على تسميته بالأيادي البيضاء….
اتضح أن عليه أيضا أن يخوض معركة ضد عاهات مستعصية على الشفاء بدورها، ضد وباء نعرف تفاصيله ونعرف جينومه، ونعرف من ينقله ومن يصاب به ومن يتأثر بانتشاره…: وباء الفساد.
والذين يغتنون من لحظات المعركة، هم كالذين يخونون.. تماما كما ورد في قاموس ملك البلاد، وهو ينبه إلى السلوكات اللاوطنية، التي تطعن المغرب وأبناءه وبناته في الظهر……
وكما كان هناك من تعامل مع العدو في معارك التحرير، وفي الدفاع عن السيادة، هناك من يتعامل بـالعدو، في مواجهته… وفي الدفاع عن المناعة…، وسيبقى العنصر الحاسم، في قضية محاربة الثلاثي المربع، هو أن تكون المناعة شاملة ضد الفساد، وأن لا نغفل الفاسد فيها، لأنه نقال كبير للأوبئة وللفيروسات، وأيضا يستطيع تقوية مناعة الفيروسات التي تنخر الجسم المغربي وتهدده… …
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 27/11/2020