عرس الذيب في العاصمة الجزائرية!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

في الزوبعة، لا بد من أن نقبض على حبة الرمل، وسط الطبول، لنسترق السمع إلى أنين ناي، يقول شيئا بعيدا عن السعار.
من هنا تتحدد النوايا الجيدة، ومن هنا أيضا نقيم الفارق بين من يحب السلام ويصنعه وبين من يخلق كل شر وسط المعضلة.
في صخب الجنون، ننتظر أن تشرق بارقة من توازن، وبعض الكلام، وأن نلتقطه من سيل الحمق، قد يكون فيه ما نتفق عليه، ومن ذلك ما كتبته الشروق الجزائرية، بعد أن استعرضت كل القوة الجزائرية، وكالت الهجاء للمغرب وربطته بما لا يخطر على بال إلخ …
كتبت صحيفة الشروق الجزائرية، في عددها الصادر يوم 18 نونبر الحالي، مقالة كلها عويل حرب، وكلها نيران لغوية وهجوم على المغرب ومن يناصره.
ومع ذلك، نجنح في المغرب إلى البحث عن بصيص من عقلانية، لعلها تكون بوابة لفهم كيف يفكر أشقاؤنا، لا سيما في الدوائر الإعلامية المأذون لها سياسيا بتصريف الموقف.
وفي خضم العويل وطبول الحرب، وسط الركام الهائل من البلاغة الحربية والأدبيات النارية التي طبعت وتطبع الكتابات الجزائرية المأذونة، كتبت الشروق ما يلي: »شدّد المصدر ( المسؤول الرفيع عندها)على أنّه وفق مقاربة الجزائر التي تعتبر القضية في تطوراتها القائمة امتدادا طبيعيا لأمنها القومي، فإنه يستحيل الوصول إلى أي حل للنزاع، وتحت أي صورة، دون مشاركة مباشرة للجزائر كطرف رئيس معني في المنطقة بالصراع وآثاره، وبذلك لن تقبل أي مبادرة مستقبلا تتعامل معها بصفة المراقب، كونها الآن دولة متأثرة بالقضية الصحراوية، بالنظر إلى مخاطرها على أمنها الاستراتيجي، ما يستوجب حضورها الفعلي على طاولة التفاوض بين البوليساريو والمغرب…«، ونضيف موريتانيا..
وتكون النتيجة أننا لم نطلب أكثر من هذا!
وبالدارجة المغربية : ها اللي قلنا!
فالمغرب، والمغاربة يعرفون بأنها الطرف الرئيسي في هذا النزاع، بل هي تحتضن وتدعم وتسلح وتدرب، والمغرب رسميا أخبر الأمم المتحدة وأمينها العام بأنها كذلك.
وإذا كان العالم اقتنع، فلا بأس من أن يقتنع الإخوة في الشرق حتى ولو كان ذلك متأخرا بعض الشيء.
نحن أيضا نعتبر تكريس الجزائر كطرف رئيسي، انتصارا لمطلب ديبلوماسي وسياسي مغربي، وربما لن نحتفظ من كل ذلك السب والشتم سوى بما في هذه السطور، وما بينها…
لكن في نفس الوقت، نجد أنفسنا أمام »عرس الذيب«.
مطر وشمس
رياح عاصفة وضوء..
ففي نفس المقال هناك لا شعور سيء النية إزاء المغرب، وقد تم التعبير عنه في نفس المقال بالقول إن ما قام به المغرب، تماشيا مع مصالح قارية وإقليمية، وبعد مشاورات أممية وإقليمية، هو قراءة خاطئة من المغرب »مفادها أن الجزائر في حالة ارتباك بسبب غياب ومرض الرئيس عبد المجيد تبون».
في الواقع وبهذا الخصوص، المغرب لم يختر توقيت مرض كورونا، الذي يتزامن مع شهر أكتوبر، وأكتوبر في الأجندة الدولية حول الصحراء سابق للرئيس تبون نفسه، وسابق لمرضه بعد ذلك، كما أنه شهر جعلته الروزنامة الدولية شهر الصحراء، ولربما كان عليهم أن يتفادوا دفع البوليزاريو للتحرك في هذا الشهر…
فهل تحركت فصائل الانفصال هي بدورها، في استغلال للوضعية الصحية للرئيس تبون شفاه الله.
المقاربة غير سوية
ولعل القراءة الخاطئة، هي التي لم تسعف الحكام في الجزائر في قراءة الوضع اليوم ككل الأيادي الممدودة لهم في السابق …
لنتذكر
1- وقف إطلاق النار الذي كان في 1991، تزامن كما يعرف الأشقاء، الذين ليس في قلوبهم مرض، مع استعار الحرب الأهلية، وبداية العشرية السوداء التي لم تضمد جراحها بعد، وحرمت الجزائر من ربيعين متتاليين: الربيع الناجم عن سقوط جدار برلين وبداية العالم الجديد، والربيع العربي إياه .
ما زلنا نذكر آراء في المغرب كانت ترى أن الوقت مناسب لإتمام الحرب، بل ومد الجدار الأمني إلى حدود الجارة الشقيقة.
رفض الملك الراحل والمغاربة من ورائه هذه الزاوية في معالجة وضع كلفنا الكثير من الشهداء والأسرى والدماء.
2- في 2018، وفي عز الترهل النظامي في الجزائر و”التلفة” بلغتنا المشتركة، وفي لحظة غموض وضبابية والتباس، طرفها الحراك، وطرفها الثاني تآكل النظام، لم يرد المغرب أن يلعب ورقة النار، وأعلن ملك المغرب، في خطاب رسمي، عن إيمانه بفتح صفحة جديدة، وعن تشكيل لجنة مشتركة للنظر في كل القضايا العالقة، وكانت وما زالت كثيرة.
تمت مداراة المغرب، والالتفاف على دعوته، ولم يكن هناك ما يدعوه إلى موقفه النبيل سوى أن الأفق لديه أعلى وأسمى…
وذهب المغرب إلى ما هو أبعد عندما منع على مواطنيه ومواطناته التدخل في الشأن الجزائري، تفاديا لأي سوء فهم …
والحال أن ذلك كله لم يجد أذنا صاغية ولا عقلا مأذونا…
للأسف، حقا.
لهذا فالقول بأن المغرب تحين مرض الرئيس لكي يحرر الكركرات، فيه كثير من التعسف المنطقي والعمل على التجييش والدفاع الأخرق حقا.
لنا ما نبنيه مع شعب الجزائر، بعد أن تتجاوز نخبته معضلة الشرعية.. أو تغير أوّالِياتها، وهذا حديث آخر …
هناك بارد وسخون في هذه المقاربة كالإقرار بمركزية الدولة الجارة في النزاع، ومحاولة شيطنة دفاع المغرب عن حقه في الحل!
بارد وسخون، أو تأرجح ما بين العقل والجنوح؟
نحن في صحرائنا، والجواب سيأتي إلينا!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/11/2020