عفو استثنائي لمعالجة استثنائية لوضعية استثنائية…

عبد الحميد جماهري

كان العفو استثنائيا لأنه كان ممارسة امتياز الحق الملكي لأجل علاج وضعية استثنائية، وهو بهذا المعنى يتجاوز المنطق القانوني الصرف إلى قرار ذي حمولة إنسانية عالية من شأنها أن تغير الوضع الاعتباري للمستفيدين: من مواطنين، يعيشون وضعا اجتماعيا مفككا، تحت سياط الرعب والتوجس، عرضة لكل أنواع التعسف والتحكمية المزاجية، وموضوع تنافس ابتزازي بين الفاسدين من رجال السلطة والسياسيين في منطقة مترامية الأوضاع!
لقد كان العفو ككل شيء يخص الريف أكبر من قرار حكيم وإنساني تحكمه انتظامية المناسبة الوطنية، مهما كانت رفيعة الدلالة، لقد كان استثنائيا، من حيث العدد الكبير الذي يمسه الأثر لقرار كهذا، إذ نحن أمام عدد كبير من الأسر والعائلات، لا يقف عدد الخمسة آلاف الذي ترد أسماؤهم في الذين استوفوا شروط العفو، ويتجاوز ذلك إلى أضعافه خمس مرات، إذا ما شَبَّكْنا الآثار بين مباشرة وغير مباشرة، وقريبة وبعيدة ومتوسطة المدى…
وهاته الأسر كانت تعيش وضعا استثنائيا، فرض عليها تعطيل ما لا يجب تعطيله أي حريتها البسيطة الإنسانية، لقد منعوا من النهار ومن الليل، ومن الأسواق والتجمعات والمناسبات العائلية ومنعوا من فراشهم ومنهم من فرض عليه العيش في المطمورات والأنفاق والكهوف، مثل أشباح.
يكاد العفو يكون عفوا على «منفيين في الداخل» سيعودون إلى الدرجة الصفر للمواطنة! لينطلقوا .. وهو استثناء زماني، أيضا، لأن العقدة طال انتظارها، ولعل المتابعين لأوضاع الريف يحسبون، بالعقود، واقعا يجري في وطن دخل إلى زمن جديد، في حين ظل أولائك المزارعون خارجه.
بعد الجغرافية السكانية والزمنية، المكانية أو المجال، هناك وحدة المجال، وهو الريف، ونحن في واقع الأمر نتحدث عن آثار زراعة خلقت وضعا مفارقا: من جهة أصحبت النبتة مشروعة في حين صار أصحاب زراعتها غير شرعيين!
قانون يصدر منذ 2021، وتظل آثاره المباشرة غير ذات تأثير على السكان من صغار المزارعين من الدرجة الأولى في البساطة الاجتماعية، ومن المفروض أن القانون سيحررهم من التجار الكبار ومن كل آليات وآلات التعسف ويحررهم من الجبروت والعزلة والتعسف.. ومن صغار النفوس من السياسيين الذين لا يتورعون عن تدمير حياتهم إلى أن يفوزوا بالأصوات … أصوات عائلاتهم وأصواتهم!!!!
بئس!
ومن هذه الزاوية، المجالية والاجتماعية، يكون العفو قرارا بالتأهيل السوسيو قانوني والحقوقي، الذي يجعل مواطنين تحت الشبهة، يعيشون كما تعيش…نبتتهم! أي تحت ظلال القانون.
ومن آثار العفو أن يمتد آثار الأحكام التي صدرت ضد أولائك، وما قبلها وما بعدها، وبالتالي فهو يعيد الأهلية القانونية والاجتماعية التي ساقتها تطبيقات القانون المرتعشة.. وأيضا رد الاعتبار للمعني بالأمر وللمجتمع الذي يحتضنه بعد أن كان قد عانى هو بذاته من التفكك وعدم العيش السليم.
الفعل تتويج لمسارين، واحد استراتيجي عميق المدى والثاني يخص النبتة الطبية نفسها.
وفي هذا الباب، نذكر أن المغرب قد اصطف إلى الأمم المتحدة منذ دجنبر 2020، عندما تبنت قرار منظمة الصحة العالمية بخصوص نبتة القنب الهندي وأخرجتها من لائحة المواد المخدرة الممنوعة، وشرع في مسلسل «تقنين» مبني على قاعدة حقوقية وطبية وقانونية دولية، مثلما هو الأمر بالنسبة للعديد من الدول، بل ربط هذا التقنين بفلسفة عامة في قلبها التنمية والاستثمار والاستفادة من سوق دولية موجودة، وكان الهدف من وراء ذلك القانون هو إخراج 600 ألف نسمة من الفقر والهشاشة كما تبين خلال تقرير وزارة الداخلية عند الترافع عن القانون المنظم للزراعة المعنية هنا..
أما المسار الأعمق فهو مسار المصالحة الكبرى مع الريف ككل، مجالا وإنسانا وذاكرة ولغة وموقعا، بدأ مع وضع لبنات ميناء المتوسط، وتواصل مع زيارة الريف ومناطقه الأكثر رمزية كأجدير أو المرافقة اللصيقة لملك البلاد لأوضاعه الطارئة، كما في الزلزال، بل جعل الريف وحراكه بوابة لتفعيل المحاسبة وربطها بالمسؤولية في أول تطبيق من نوعه لدستور 2011..
حتى صار من المعتاد أن نقرأ عند علماء الجغرافيا والتحليل السياسي عن «مجال مصطفى»، ومختار فيه فعَّل المغرب مقاربات هي الأولى من نوعها (طنجة المتوسط أو التدبير بواسطة المعجزة)..
ونحن نسجل هذا المنحى، لكي نؤكد أن المجال كله مفتوح أمام كل الآفاق والالتحاق بها بالطرق الإيجابية، في معالجة ملفاته العالقة، بعضها راهن وبعضها تاريخي ..
ما هو مطلوب اليوم هو تحديد الأولويات بواسطة الطريقة التي اختارتها الحكومة للتتبع، أي الوكالة المعنية، وتجويد أدائها في مجال الطب والصيدلة البديلين، والصناعات التحويلية ذات الأثر البعيد المدى والعميق، للمساعدة على التغيير من شروط الريف الاجتماعية ومساهمته في الرفع من الثروة الوطنية الخضراء.. وتطوير التعاون الدولي، الذي لم تقدم فيه الوكالة بعدُ أي حصيلة تذكر، مما يعطي فكرة عن الأفق المنفتح على المزيد من التتبع والرصد (وهذا موضوع آخر )…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/08/2024