عمر زنيبر والآخرون : بصمة حقوقية مغربية بطموح كوني!2/2

عبد الحميد جماهري

اليوم، يوجد المغرب «على مشارف إتمام تفعيل توصيات الهيئة» بعد أن تمت دسترة الكثير من التوصيات لتصبح حقيقة قانونية، وربحنا من وراء ذلك، وثيقة دستورية تمثل نقطة التقاء سامية بين إرادتي الدولة والمجتمع.
ويحتضن قصر الأمم في جنيف، يوم 26 شتنبر الجاري، جلسة نقاش رفيعة المستوى حول موضوع «الترابط بين العدالة والإصلاح والذاكرة في إطار العدالة الانتقالية»، وذلك تخليدا للذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة. ولعل تخليد ذكرى إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة بالتزامن مع انعقاد الحدث الحقوقي الكبير ممثلا في الدورة السابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يتيح إبراز أحد الإصلاحات الكبرى التي أطلقها جلالة الملك على صعيد الحياة المؤسساتية بالمغرب .
وكما أكد عمر زنيبر ذلك، فإن »أحد أسباب تولي المغرب رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لسنة 2024 هو رغبته في تقاسم تجربته الطويلة في الإصلاح والتقدم في مجال حقوق الإنسان«.
ولعلنا لا يمكن أن نغفل أسماء أخرى في هذا المسار، تجتهد اليوم في تثبيته وتقويته، ومن حسن الطالع أنه وجه أنثوي، في شخص آمنة بوعياش على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي تقول بحق إننا عشنا « لحظة توافق تاريخي مكتوبة وموثقة في الدستور الذي يعتبر بحق ميثاقا وطنيا للحقوق والحريات» حتى صارت حقوق الإنسان « أحد ثوابت هذا الوطن ومؤسساته». ومن تجليات هذا الانصهار، بين إرادتي الدولة والمجتمع كان ميلاد المجلس الوطني، بكل مساراته وتقلباته، أعطت للبلاد صوتا دوليا، حيث أن هاته المؤسسة الوطنية تشغل11 منصبا داخل الشبكات الدولية والإقليمية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، على رأسها أمانة ونيابة رئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
وهي المكانة التي تتيح المساهمة الفعلية والفعالة في حماية الحقوق والحريات والنهوض بها في العالم، وإسماع صوت إفريقيا والترافع من أجل حماية مصالحها …
واتضح دور المغرب في قيادته لعدد من المبادرات والقرارات الأممية والترافع من أجلها،( خصوصا في مجالات تميزه التاريخي كما في مواضيع التسامح ومحاربة التطرف وكراهية الأديان الإسلاموفوبيا وغيرها من الحقوق الروحية والجسدية والثقافية .)..
لا أحد بإمكانه ادعاء الكمال واكتمال الرضا عن النفس..
وما قاله عمر زنيبر من على منبر المجلس الأممي لحقوق الإنسان حول الحق في التنمية، وتأثير الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان، ووضعية المرأة، كان موضوع انشغال وطني، وسبق أن دشنه المغرب منذ 2019 من خلال مؤسسته الوطنية من بوابة فعلية حماية حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي وعصر نظم الذكاء الاصطناعي والتغيرات المناخية وحقوق الإنسان،، إلخ!
ومن حسن حظنا أن عمر زنيبر يمتلك المواصفات المهنية، والأكاديمية والإنسانية والسياسية، التي استطاع بواسطتها تجسيد هذا الانشغال وترجمته إلى حقيقة دولية في مجال صعب المراس، ومعادلاته المتعددة المجاهيل!
يحضر المغرب في المحفل الحقوقي حضورا يستحقه ولطالما انتظر إنصافه فيه، ومن حقه أن يرى المرحلة فصلا لصناعة النموذج، وكذلك لجني الثمار، على جبهة قاسية ومتقلبة وتتقاطع فيها مصالح الدول بالمبادئ النبيلة ويختلط حابل السياسة بنابل الحقوق!
وعلينا أن نقيس تجربة المغرب بمقياس الزمن الوطني، وباستحضار الحيز الوجودي للقضية الحقوقية في العالم، واستحضار نقطة الانطلاقة مع العهد الجديد، وهذا السعي الدؤوب نحو تكريس القضية الحقوقية يمكن أن نقول إن المغرب سارع في قطع أشواطه المطلوبة، وأحيانا بشكل يتجاوز المنتظر، كما هو الأمر في ربط حقوق الإنسان مع القضية الوطنية، مع الإرادة المشبوهة للخصوم في جعل الجبهة الحقوقية جبهة بديلة عن الجبهات الديبلوماسية والعسكرية التي يفقدون فيها مواقع حاسمة !
وهنا لا بد أن نشيد بأن مؤسسته الوطنية لحقوق الإنسان تقوم على رصد احترام حقوق الإنسان والاستماع إلى الضحايا كيفما كان موقفهم السياسي من القضية الوطنية! الشيء الذي يجعلها معتمدة في التقارير الأممية ومحط إشادة من لدن الأمين العام للأمم المتحدة في تقاريره الفصلية.
ولا يمكن أن نغفل التعاقد بين الأمن الوطني والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، الذي عرف تطورا مهما، توفرت معه شروط التعاقد بين المؤسستين، في شراكة غير مسبوقة، على كافة المستويات، بل أضحت ممارسة دولية فضلى يتقاسم المغرب مقوماتها اليوم مع شركاء دوليين عبروا عن اهتمام صريح باستلهام هذه التجربة.
في الحياة الشخصية لعمر زنيبر تحضرنا حيوات أخرى، هي لإدريس بنزكري وأمينة بوعياش ومحمد بنونة الذي يرابط بدوره قاضيا خاصا في محكمة العدل الدولية في محاكمة إسرائيل حاليا، وسبق له أن كان قاضيا كذلك في النزاع الحدودي بين النيجر وبنين (2002-2005). كما عين عام 2001 سفيرا وممثلا دائما للمغرب لدى الأمم المتحدة واستمر حتى عام 2006، وعمل قاضيا في المحكمة الجنائية الدولية المكلفة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا، منذ عام 1998 وحتى 2001، وهي نياشين فخر دولي وبصمات دولية، يستحيل نسيانها بالرغم من حدوث بعض الفتور في الذاكرة.
إلى جانبهم أسماء نساء ورجال من ذهب وعزة.
لا يمكن الشعور بالاكتفاء الشامل أو الرضا المطلق، في وضعيتنا الحقوقية، داخليا وخارجيا، بل لن نخطئ إذا قلنا إن ما يحصل من ارتقاء يفرض على المغرب أن يكون في مستوي المعايير التي يسعى إلى تعميمها وتكريسها دوليا، وأن يطوي كل الصفحات التي ما زالت مفتوحة في الراهن الحقوقي المغربي، وهو من هذا المنطلق مجبر على أن يرتقي إلى … ما يريده لنفسه!
علاوة على أن الجيل الثالث من الحقوق( الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ) بات يفرض مقاربة لا تقل شجاعة، لا سيما وأن أسباب القلق الاجتماعي والاحتقان الداخلي بدأت تتراكم في الأفق وفي الفضاء الاجتماعي بكل ساحاته.
وهذا موضوع آخر..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 14/09/2024

التعليقات مغلقة.