عمر فرج وأعمال هرقل مع الريع الضريبي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
من الوارد، في حكم التجربة أن دخول عمر فرج، مدير الضريبة الوطنية إلى الابدية الإنسانية، إذا هو ربح رهان تحديث المنظومة الضريبية
ونقحها وزاد فيها جرعة قوية من الإنصاف.
سيدخل التاريخ بأنه أحد المسؤولين الذين اقتحموا إلى عرين صعب للغاية، وأنه فرض الطريق نحو العدالة الجبائية..
لكنه أيضا سيدخل التاريخ، لأنه الاسم الحركي الذي دخلت به الدولة التاريخ، لأنها امتلكت الجرأة والذكاء معا في طرح موضوع شائك، هي المتهمة فيها الرئيسية، وهو العيب الضريبي في البلاد..
ومن البديهي أن الدولة هنا تدشن أحد الأوراش الصعبة، لكنه يمثل لحظة تأمل شبيهة بتلك التي يدخلها الناسك البوذي لامتحان ذاته
وإفراغها من كل شحنات السلب التي تسكنها.
والسلب الضريبي يسكن دولتنا عميقا ولا شك..
نحن في لحظة إعادة النـظر في كل وظائف الدولة
الوظيفة الترابية (الجهوية)
الوظيفة الدستورية
الوظيفة الإدارية
والوظيفة الاقتصادية من خلال النموذج التنموي الجديد
ولا يمكن أن ننجح في ذلك بدون إعادة النظر في الضريبة في البلاد..
والاعفاءات التي لا تصل إلى نتيجة (كما هو حال تخفيض السكن الاجتماعي الذي على أساسه تمنح الإعفاءات لقطاع العقارات،) يجب أن توقفها الدولة حتى لا تصبح ريعا، وامتيازا لا يخدم الهدف، كما يعفي المقاولة من أي مجهود أو مغامرة، هما رديفان في الرأسمال الناجع حاليا في العالم..
أيضا لا يجب أن يكون المجال الوحيد للحرية الليبرالية عندما يكون بين الضريبة وبين .. القطاع غير المهيكل، كما يستفاد من بعض المدافعين عن المزيد من الإعفاءات الضريبية في المجالات الاقتصادية، كما هو حال التصنيع..
القطاع غير المهيكل هوأولا وأخيرا عيب اقتصادي،
وعيب ضريبي
وعيب اجتماعي..
فالتهديد المستمر بالقطاع غير المهيكل الذي نسمع به باستمرار يجب أن يتوقف، ويجب أن يدخل هذا القطاع إلى الشفافية الضريبية
وإلى مجال التفكير السليم، وليس تحت مظلة التفكير التعسفي الذي يقبل ببعض التسوية في المستوى الاجتماعي (مناصب شغل شبحية) مقابل نسف النسيج الاقتصادي والمنظومة الضريبية..
لقد راكمنا مايكفي من الملاذات الضريبية، حتى صارت الإعفاءات والرخص الاستثنائية هي القاعدة، وكلها مصادر ثراء للآخرين غير الدولة!
لا يمكن للدولة أن تكون عادلة ، بدون أن تعدل في الضريبة، والحال أن صورة التضريب في المغرب تعطينا الفكرة بأن الدولة غيرمنصفة…
وربما تكون عاجزة عن المحاربة الفعالة للضريبة المغشوشة، في حال ما كان المعنيون جزءا من السلطة.. سلطة المال بالتحديد..
الدولة التي تتساهل في الضريبة تتساهل أيضا في الديمقراطية
وفي العدل. تحت سماء أخرى يفاخر المواطن، أمام رجل سلطة أو نمط الحكم بأنه يدفع الضريبة..
–انا جيبي من جيب الدولة
لا من جيوب المقاومة – –
كما أن المواطن كامل المواطنة، عندما يكون صاحب ثروة وصاحب رأي، يمكنه أن يدافع عنهما بالضريبة
الذين يعارضون الدولة وهم في وضع غير قانوني إزاء الضريبة، عادة ما يكونون في لحظة ضعف
أو في لحظة صمت مركب..
الضريبة تحرر الأثرياء أيضا لما يريدون أن يستكملوا مواطنتهم بالمعارضة أو بالموافقة
ورجل الدولة، وزيرا أو رئيس برلمان، يجد نفسه في موقف دفاع غير محمود العواقب، حين تكون فاتورة الضريبة الخاصة به مثيرة للشبهة..
الضريبة شبهة الريع أيضا
وصيغها تختلف حسب المطلوب من المستفيدين منه.. والريعيون لا يحبون الضريبة كما لا يحبون السلطة التي تعدل فيها..
سيكون أمام الدولة أن تتساءل عن الفطام، حينما تقرر أن تراجع كل ما منعته من امتيازات وإعفاءات (العقار، التصدير الذي لا يدفع مطلقا، الفلاحون الذين يقل رقم معاملاتهم عن مليار سنتيم الخ)..
كما سيكون عليها أن تتساءل عن الضريبة على الدخل، والموظف الذي يعيل الدولة، وحده، ولا يستفيد من أي تضريب تشجيعي، بالرغم من أن هناك مطلبا ملحا من رفع قيمة الإعفاء إلى 36 ألف درهم ، عوض ما هو يجري حاليا..
من المفيد أن الحكومة، كمستوى مؤسساتي تملك الأرقام الصادمة، وإن لم تعطها هذا التصنيف المفزع، ومن المفيد أيضا أنها تعرف أن80 في المئة من الضريبة على القيمة المضافة تؤدى من قبل 1.6 في المئة فقط من الملزمين، و90 في المئة منها، تأتي من جهتين فقط، وأن 27 في المئة فقط من التصريحات هي التي تنتهي إلى أداء.
ومن المفيد أن تعرف بأن «80 في المئة من الضريبة على الشركات يؤديها 0.8 في المئة من الملزمين، وأن 46 في المئة فقط من الشركات تصرح، و33 في المئة فقط من الشركات المصرحة تسجل أرباحا، وهو ما يعبر عن ضعف في الامتثال الضريبي ويفرز عددا من التحديات منها إشكالية العدالة وعدم الإنصاف»..
لكن ما هو العلاج العميق للمعضلة؟
هنا، يجب أن يسند مدير الضريبة في عمله بجبهة مؤسساتية وسياسية، هي من صلب التعريف الدستوري الجديد للمواطنة.
والمواطنة لا تكتمل إلا بالضريبة والمساهمة في التضامن الوطني…
الضريبة هي دليل مواطنة الأثرياء
والشركات
والمقاولات
كما هي بالنسبة للمواطن الفرد..
ولم يعد من المعقول اليوم أن يكون الموظف، أو جزء من ذوي الدخل المحدود، بعنوانه ومحدوديته هو الذي يعيل الدولة الاجتماعية!
لأن الضريبة العادلة هي الدولة الاجتماعية، في نهاية التحليل.
والاكتفاء بذوي الدخل المعروف، والفئات نفسها التي قدمت الضريبة إلى حد الساعة ، هو في نهاية المطاف اعتراف بعجز مزمن في التضريب.
الثروة، لا بد لها من ضريبة، ومن غير المعقول أنها تظل موضوع نقاش حول الجدوى، في الوقت الذي تكون الحاجة الوطنية إليها موضوعا ملحا.
إن القصة بين الموظف وصاحب الثروة، تحيلنا على فهم الهروب الضريبي من الثروة
فالتهرب هنا يعني «ثأر الصرار من النملة»!!!
************
ليس المطلوب الرفع من الضريبة
ولا التقليص الشامل منها
إن المطلوب اليومي توسيع وعاء الدافعين للضريبة من أجل تخفيفها عمن يدفعون لوحدهم…
والرفع من التحصيل الضريبي الذي تريده الدولة لحماية نفقاتها..
والمتعارف عليه اليوم، هو أن الضريبة هي دخل الدولة من تمويل الخدمات العمومية، والتي لا يمكن للسوق، بما هو ليبرالي الهوية أن يقدمها.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/05/2019