عندما تحلم الجزائر بإعادة إسبانيا إلى المنطق الاستعماري!!!

عبد الحميد جماهري

وعليه، فالدول الأعضاء التي تتحمل المسؤولية في إدارة مناطق ما، والتي تنعت بالأقاليم غير المستقلة ذاتيا، حسب ميثاق الأمم المتحدة هي:
الدول التي يفرض عليها واجبها أن تكون ” قوة تعمل على رفاه ونمو الساكنة في المناطق المعنية”،
ج: الدول التي تساعد ساكنة الإقليم المعنية على تدبير نفسها؛
د: الدول التي تحرص على الأخذ بعين الاعتبار تطلعات السكان السياسية؛
هـ: الدول التي تعمل على إطلاع الأمم المتحدة على الأوضاع في المنطقة وإخبارها بكل مستجداتها!
ولعل الأمثلة في أوربا كثيرة منها فرنسا مثلا هي القوة المديرة لكاليدونيا الجديدة، وبولونيزيا، كما هو حال نيوزيلاندا مع توكيلاو، وبريطانيا مع بيرمودا وجزر الفوكلاند (المالوين ).. إلخ!
وهذا الوضع لا ينطبق على إسبانيا في علاقتها مع الصحراء المغربية..
2 – وفي أصل الحكاية نجد أن علاقات إسبانيا مع الأقاليم الجنوبية المغربية تضبطها اتفاقية مدريد الثلاثية التي تم توقيعها في 14 نونبر 1975 ..
ومن مضامين الاتفاق، الإقرار بـ “وضع حد لمسؤولياتها وسلطاتها كقوة إدارية على الأراضي المذكورة”..ومن امتداداتها، الرسالة التي وجهتها مدريد، عبر ممثلها الدائم، إلى الأمم المتحدة في فبراير 1976 تخبر فيها الأمين العام السابق للأمم المتحدة وقتها أنها “وضعت حدا نهائيا لتواجدها في المنطقة، وبالتالي فهي معفية من أية مسؤولية ذات طابع دولي في إدارة المنطقة المعنية”.. وذلك ابتداء من 26 فبراير من نفس السنة..وأوضحت بأنها أنهت “المشاركة في الإدارة المؤقتة”.. الوثيقة الأممية رقم (A/31/56-S/11997).
المثير أن الرئيس تبون لا يعرف بأن مدريد لم تعد القوة المديرة للإقليم منذ فبراير 1976، بل أقرت رسميا إنهاء الوجود الإسباني على الأراضي نهائيا قبل 28 فبراير 1976…
هل يجهل رئيس دولة تنفق ملايير الدولارات سنويا على مناهضة قضية ترابية لدولة جارة، كل هذه المعطيات؟
لا ندري، لا نريد أن نعرف، لكن إذا كان عبد المجيد تبون لا يعرف، فإن الحكومة الإسبانية تعرف، وقد سنحت لها الفرصة مرات للتذكير بهذه الوقائع، والتي استعار فيها عبد المجيد تبون وانفصاليوه أفواه بعض أرانب السباق الراديكاليين، لطرحها في البرلمان الإسباني..
كان ذلك في الأربعاء 20 أكتوبر 2021، وهو تاريخ جد حديث، يومها وقف وزير خارجية إسبانيا، ليرد على سؤال للنائب الإسباني أيتور استيبان عن الحزب الوطني الباسكي يخص “القوة المديرة”، وكان جوابه واضحا كالتالي:” إسبانيا لم تعد قوة مديرة في الصحراء”!
كما ردت الحكومة نفس الرد، في رسالة جوابية عن أسئلة لحزب سيودادانوس، وكان ذلك في شهر فبراير من نفس السنة! ولعل الاختيار لم يكن صدفة، باعتبار أنه نفس الشهر الذي وجهت فيه إسبانيا رسالتها إلى الأمم المتحدة واضعة حدا لمسؤوليتها في الصحراء.
3 ـ أقحم الرئيس عبد المجيد تبون الأمم المتحدة، كطرف في التشديد على دور إسبانيا كقوة مديرة.
غير أن العودة إلى طبيعة مهام هذه “القوة” كما سردناه أعلاه تبين حقائق دامغة، منها أنه :
ـ لا يرد اسم إسبانيا ضمن لائحة الأسماء الموجودة لدى الأمم المتحدة والخاصة بالأقاليم غير المستقلة، في نظر الأمم المتحدة!
ـ إسبانيا لا تقدم أي معطيات أو تقارير أو أخبار من أي نوع كان لهيئات الأمم المتحدة المكلفة بالملف، سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو الأمانة العامة للأمم المتحدة، كما ينص على ذلك تعريف القوة المدنية من طرف القانون الدولي ووثائق الأمم المتحدة..
بل إن الهيئات المخول لها ذلك هي بعثة المينورسو باعتبارها المصدر الرئيسي للمعلومات، أو المبعوثين الخاصين الشخصيين للأمين العام الذين يتقدمون بإحاطات علما، كما حدث في أبريل الماضي!
ـ إسبانيا لا وجود لها فوق التراب المغربي، ولا تساعد الساكنة على تدبير شؤونهم أو مساندتهم في تطلعاتهم السياسية..
والحقيقة أن الجزائر ما زالت تأمل في “اختراق” ديبلوماسي إزاء إسبانيا، كما حلمت ذات ليلة باختراق يخص الولايات المتحدة، ويبدو أن الضغط الأوروبي الواضح في الدفاع عن مصالح إسبانيا في الجزائر أفقد نظام هاته الأخيرة التركيز، وهو في طوره إلى سحب الورقة التجارية من حقيبة الضغط السياسي على مدريد… ولم يبق سوى أن تَتغيَّى نخبة قصر «المرادية» عودة إسبانيا إلى منطق الاستعمار.. وهو صار من ذكريات المنطقة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/04/2023