عندما تولى محمد السادس الحكم،‮ ‬وسألوه عن الملك الجديد فقال‮: ‬هذا الشاب سيفاجئكم‮!‬

عبد الحميد جماهري

في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬4‭ ‬يونيو‭ ‬2020‭ ‬في‭ ‬التفاتة‭ ‬إنسانية‭ ‬رفيعة،‭ ‬حملت‭ ‬دلالات‭ ‬ومعاني‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬لوطني‭ ‬خدمة‭ ‬بلده‭ ‬بتفان‭ ‬ونكران‭ ‬ذات‭ ‬،‭ ‬زار‭ ‬جلالة‭ ‬ الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬المجاهد‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬اليوسفي‭ ‬بمستشفى‭ ‬خليفة‭ ‬بعد‭ ‬الوعكة‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬ألمت‭ ‬به‭ ‬حينها‭ . ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬العبد‭ ‬الضعيف‭ ‬إلى‭ ‬ربه،‭ ‬ملتقطا‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬الأبوية‭ ‬الباذخة‭ ‬والدافقة‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ : ‬

مرة قال عبد الرحمان اليوسفي‮ ‬عندما تولى محمد السادس الحكم،‮ ‬وسألوه عن الملك الجديد فقال‮: ‬هذا الشاب سيفاجئكم‮!‬
وفاجأنا
ولعله فاجأه أيضا وهو‮ ‬ينحني،‮ ‬بهامة الملوك التي‮ ‬لم تتعلم الانحناء،‮ ‬على رأسه ليقبله‮!‬
قد لا تحتاج الصورة إلى تحليل‮…‬
حتى لو كان وسيلة العاطفة في‮ ‬نقل تجربة حكم إلى متناول الناس
والأحاسيس‮..‬
تحتاج الصورة إلى قلب‮ …‬إلى كهرباء‮ ‬يصعق عضلة الخيال لكي‮ ‬تترك الحقيقة تمر إلى متلقيها‮..‬
تحتاج إلى هامش من العاطفة،‮ ‬حيث الظل تنبت فيه القشعريرة
كما نبتة تحت ندف الثلج في‮ ‬يوم مشمس
يفاجئ طفولة القرى‮…‬
لا تحتاج الصورة إلى اللغة
ربما،‮ ‬تستكين إلى ما فيها من قوة،‮ ‬ومن رمزيات وما تستدرجه من تاريخ لجيل
لجيلين‮ ..‬
لا تحتاج الصورة بين الملك واليوسفي
إلى خيال
ولا لغة لتفسر نفسها،
تكتفي‮ ‬بنفسها في‮ ‬نقل كل المشاعر إلى لحظة واحدة تخلدها الكاميرا
وتترك الباقي‮ ‬للشعور الوطني‮ ‬العام‮!‬
من الواضح أنه لا تنحني‮ ‬الدولة على جبين رجل،‮ ‬إلا إذا كان أكبر من رجل دولة
رجل تاريخ مثلا‮ …‬
رجل رسالة‮ ..‬لا تنتهي‮ ‬بتجربة واحدة في‮ ‬الحكم‮!‬
قبلة الملك على رأس اليوسفي
تعني،‮ ‬في‮ ‬قوتها،‮ ‬أكثر من أية صورة أخرى من قلب البروتوكول الملكي‮ …‬
تعني‮ ‬إنسانية الملك وتحرره من بروتوكولات الملكية
وربما قد تعني،‮ ‬في‮ ‬تقدير عاطفة المغاربة،‮ ‬بمثابة إعلان فعلي،‮ ‬جسدي‮ ‬فيزيقي‮ ‬عن إنهاء البروتوكول‮..‬
من قبيل تقبيل‮ ‬يده‮ ..‬مثلا
يتجاوز مفعولها أيضا رسالة السياسة إلى أخلاق رفيعة هزت كيان أمة‮!‬
هل كان الملك في‮ ‬حاجة إلى هذا الفيض الإنساني،‮ ‬لتكون زيارته بمعنى أعلى من كل الزيارات التي‮ ‬يقوم بها للمرضى والمصابين ؟
لم‮ ‬يكن‮.. ‬في‮ ‬حاجة،‮ ‬هو الذي‮ ‬ربى المخيلة الوطنية على كل صور البساطة
لكنه أرادها أن تكون،‮ ‬لكي‮ ‬تأخذ إنسانيته كل مداها
وهو مع رجل قاد مع والده تناوبا صعبا
وتابع العهد الجديد،‮ ‬سياسة مرت على جثة اليوسفي‮ ‬الحية‮..‬
بمساعدة الكثير من‮ «‬الأطباء‮».. ‬السياسيين في‮ ‬المرحلة‮.‬
في‮ ‬البدء
كان الشارع باسم اليوسفي‮ ‬في‮ ‬طنجة،‮ ‬قبلة السياسة على مسقط الرأس
وكانت قبلة الرأس
مسقط العاطفة في‮ ‬السياسة‮ …‬
هذه القبلة تاريخ
ورسالة
وشهادة
ومنعطف في‮ ‬الذاكرة‮..‬
كل الذين رأوها،‮ ‬لم‮ ‬يحلموا بأنهم كانوا‮ ‬يحلمون
كانوا‮ ‬يفركون عيون البصيرة لكي‮ ‬يروا ما بعد الصورة
ويفركون جفن الخيال ليسعفهم في‮ ‬فهم الإشارة‮..‬
وكانت إنسانية تنهي‮ ‬كل السؤال‮: ‬فلا خيال في‮ ‬ما نرى
ولا لغة مشفرة‮…‬
كانت هي‮ ‬العاطفة تحط على رأس الهرم
طير حمام زاجل
هو ملتقى الحالمين بمغرب‮ ‬يليق بقوة المشاعر
ومغرب‮ ‬يقيم في‮ ‬جلال الصورة الصامتة‮!‬
سنصير‮ ‬يوما ذكرى
وتبقى الصورة لتعصر ما كان منا
ولن‮ ‬يبلغ‮ ‬الموتى منا‮ ‬غربتهم كاملة
ولن‮ ‬يبلغ‮ ‬الأحياء منا حكمتهم كاملة بدوننا
لكننا سنقيم في‮ ‬قبلة ملك على رأس الهَرَمِ‮ ‬الكبير
الخالد في‮ ‬الجرح الذي‮ ‬ضعنا فيه مرتين‮!‬
يكفي‮ ‬أن تكون مفاجأة الملك في‮ ‬صورة
لكي‮ ‬يصير أمة‮ …‬
ولاشيء‮ ‬يرجع من صدى الماضي
سوى ماضي‮ ‬الأقوياء‮..‬
في‮ ‬قبلة‮..‬
في‮ ‬الصورة دليل على أن السياسة أحيانا تفيض عن حاجاتنا من‮ ..‬
الكلام المكرر‮…‬
ومن مواقع النجوم في‮ ‬حرب عابرة‮!…‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/06/2024