عندما يصفق لنا العالم بالرغم من الحزن!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
في المسافة بين الحزن والذهول، ونحن نفكر: كيف فككنا جبلا وكيف تظافرت التراجيديات حولنا، وكيف نقيم بين الطفولة والعزلة والعجز المؤقت والدهشة والفصل القارس ومسابقة الزمن في تدبير العواطف الجماعية… في هذا الفاصل الزماني والمكاني المتعدد، وجدنا فرصة لكي نقدم للعالم موهبتنا من أجل ابننا. وبعيدا عن لغة العاطفة التي مهرنا بها ملحمة الصبي ريان، كانت اللغة الصادرة عن عواصم الدول وعن المنظمات الدولية تقف عند نقطة إجماع أساسية: الإشادة بما قمنا به، ملكا وشعبا، في هذا المجهود المغربي، في ترجمة تامغرابيت إلى أبجدية قابلة للقراءة بـكل اللغات.
وكأن العالم، الذي سرعان ما سيلتحق بنا في الحزن نفسه وفي التراجيديا نفسها، وفي المخيلات ذاتها، يمتحننا ويراقبنا من أعلى بئر دفينة.
وفي النهاية وعند ساعة التقييم والحصيلة، كما يقول ممتهنو الموضوعية، وموظفو الماركوتينغ، تقاطعت مواقف الولايات المتحدة والأمم المتحدة واليونيسيف، على الإشادة بالمجهود الوطني الراقي في محاولة إنقاذ الطفل ريان، رحمه لله وتولاه بين عصافيره في الفردوس.
وقد اختلف التعبير بين صياغة لغوية سياسية صرفة، مالت إلى توصيف العمل التقني، ولغة لا تسقط الملحمية والرمزيات من عباراتها.
الأولى تمثلت في لغة رسالة، لغة الأمم المتحدة إلى العالم، ونحن منه، التي وقفت عند الإشادة بالجهودات» التي بذلتها فرق الإنقاذ لإنقاذه. بالعمل والوقت الذي استغرقته فرق الإنقاذ لإنقاذ الصغير ريان».
ليس في الأمر تمرينا معتادا في المناسبات الحزينة، بقدر ما فيه ترتيب للمجهود الوطني، المؤسساتي منه والطوعي، في بناء نموذج خاص، يحتكم في الوقت ذاته لمعايير دولية في تقييم مجهودات الأمم والأوطان.
فالأمم المتحدة لا تقارن مجهود إنقاذ الطفل ريان مع ما نقوم به عادة نحن في بلاد المغرب القصي في إنقاذ أطفال آخرين، بقدر ما يكون بناءً على معيار دولي في مواجهة الكوارث ومقارعة الإكراهات الطبيعية والتقنية والجغرافية.
أما لغة «اليونيسف» فقد نحت نحو شحن رسالتها بشحنات رمزية ودلالية قوية من مشاعر الطفولة التي تجتاحنا كلما ذكرنا اسم ريان.
فقد تحدثت عن أيقونة وعن رحلة بطولية كتبت بأحرف غير سابقة، بأن ملحمة جديدة ترى النور، مبرزة أن هذا الحدث المحزن أظهر كيف أن المغرب، بمختلف المتدخلين، يواجه التحديات التي قد تمس أطفاله.
كم تبدو لغتنا عادية ومفرطة في الجفاف عندما يكتب آخرون ما نشعر به!
أمريكا الكبيرة، التي لا تنتبه عادة إلى الأحزان الصغيرة، ولا تدرج في جيواستراتيجيتها الآلام الطفولية انتبهت إلى أحزاننا وما فجرته من عنفوان جماعي، قادر على سردية ملحمية غير مسبوقة عمليا …فرفعت القبعة لعملية الإنقاذ البطولية التي استمرت أربعة أيام، أمريكا، التي لامس خيالها ذات فجيعة اسم ريان في القصة المعروفة، أقرت بلغة واضحة مثل الملايين في جميع أنحاء العالم، «أذهلنا تفاني فريق الإنقاذ وتضامن الشعب المغربي حيث كانوا يأملون في بقاء ريان».
ريان الذي حمل اسم بلاده حيث ما ذكر..
حيث ما مر الأنبياء، مر معهم…
وحيث ما مر ضمير العالم مر معه
وهو يحمل في اسمه اسم بلاده…
القليل من الذين اعتادوا أن يروا المغرب لوحة سوداء سيرون في الضوء المنبعث من حزن الناس عليه مصدرا للإزعاج!
والذين ألفوا أن يرسموا المغرب دوما دولة فاشلة ومجتمعا قاصرا، سيصابون بالعصاب، ويرون في العالم مصدرا غير موثوق به … في الإشادة بنا.
كان لنا الحزن، وكان للعالم الانتباه إلى ما فعلناه بالرغم من الحزن ذاته…
قبْل اليونيسيف
وقبل الأمم المتحدة
وقبل واشنطن
مر اسمه مع الأنبياء
والألسن نفسها التي غنت اللغة والتراتيل والأناشيد،
غنت اسمه المبارك في الأعالي…
لقد قدم ريان هدية لبلاده، لا لأنه رحل بطهارته،لا لأنه طفلنا الذي رأيناه يذهب إلى الجنة أمام أنظارنا…
بل لأن العالم كان يراقبنا من أعماق الجب الذي سقط فيه ورأى ما يمكننا أن نفعله عندما يمس طفل من أطفالنا ولو كانت يد القدر ونية الطبيعة في اختبارنا…
شكرا للأمم المتحدة
شكرا لليونيسيف
شكرا واشنطن
وشكرا أيها العالم…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/02/2022