عندما يعجز نهر ملوية عن الوصول إلى مصبه!..

عبد الحميد جماهري

فات وزير التجهيز والماء نزار بركة أن يستطلع أوضاع النهر الأكبر في جهة شمال شرق البلاد، بعد أن ذاعت أخباره في النشرات العالمية، وأصبح عجز النهر عن استكمال مسافات سريانه الطويلة خبرا على كل الإذاعات.
من سوء حظ الوزير الطيب والهادئ أن ذلك تزامن مع النقاش الذي دار تحت قبة البرلمان عقب أسئلة السادة النواب المحترمين…
فلم يعد بمقدور نهر ملوية أن يكمل مسافاته من ينابيعه، عند ملتقي جبال الأطلس المتوسط وجبال الريف، إلى مصبه.
يصارع لأول مرة في تاريخه، ليصل إلى ضفاف الأبيض المتوسط بعد أن يكون قد قطع 520 كيلومترا.
لم يعد للماء نفس، ولا رئتين قادرتين، بعد أن استشرى فيهما الجفاف..
ملوية (بالأمازيغية: ملویت؛ بالنطق الريفي: ملوشت)، الذي يبعد عن مدينة زايو بـ15 كيلومترا ويقطع مدينة جرسيف، ويفصل بين إقليم الناظور وإقليم بركان، أهم روافده وادي مسون ووادي الزا ووادي كسوب.
كل التقارير التي نشرت نهاية الأسبوع وبداية هذا الذي نحن فيه وضعت وصفا مقلقا للنهر، أحد أكبر الأودية في البلاد.
وعندما نقول أول مرة في تاريخه، نحن نقصد التاريخ الذي نعرفه، أما بداياته فلا أحد يعرفها بالتدقيق: متى بدأ النهر، سؤال يبدو قريبا إلى امتحان شعري في تفكيك تاريخ الماء، ولا يجب أن نتركه كذلك، كما لا يجب أن نترك لاجتهاد أستاذ الجغرافيا، ليصف النبع والمصب والطول والغطاء النباتي وارتباط كل ذلك بعطف السماء والتساقطات في نهاية نشرة الأخبار…
ملوية جزء من تاريخ سياسي وحضاري ومعيشي.. وجزء من الاستقرار.
تتجاوز تداعيات الجفاف المجال الزراعي لتصبح «محركا لغياب الاستقرار السياسي، فينزح الريفيون إلى المدن حيث لا توجد مساعدات، ما يثير احتجاجات»، على حد قول أستاذ الجغرافيا في المعهد الأمريكي بأوريغون أيرون وولف..
لهذا ربما انتبهت العديد من الوكالات والقنوات إلى حدث تعبه وعجزه في أن يصيب مصبه…
أثارني أن الجزيرة وفرانس 24 ووكالات أخرى عديدة تناقلت هذا الخبر، عبر روبورتاجات أو لقاءات تلفزية.. هذا حدث حقيقي، بالسلب قبل الإيجاب…
الجفاف غير المسبوق يهدد الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي في المنطقة، وقبلها الإنسان في منطقة واسعة شمال شرق البلاد…
عندما تتعطل السماء في جودها يصبح الشبح المخيم هو الموت.
لم يسبق أن كان بهذه الحدة، والكلفة رهيبة للغاية، تتمثل في اليأس الشامل الذي أصاب المزارعين، منهم من انقطع عن زراعة آلاف الهكتارات من الزراعات المألوفة كالبطيخ الأصفر، ويفتح باب التفكير في الهجرات أو النزوح نحو التجمعات السكانية الحضرية القريبة.
الكلفة على مدى متوسط وبعيد هو اختلال مجالي، أو إجهاد مجالي وسكاني يفضي إلى توترات اجتماعية لا محيد عنها.
عندما يصاب النهر بالإجهاد، يعجز الناس عن التنفس، ويضيق صدر بلاد بأبنائها فيفكرون في الهجرة…
لسنا وحدنا من سيجف حلقنا، وقد نتعب، هناك كارثة بيئية تتهدد المحمية الطبيعية التي يحتضنها مصب النهر، وهي الأهم في المنطقة الشرقية، كما نبه إليه الناشط في مجال الدفاع عن البيئة محمد بنعطا، محذرا من أن «الحيوانات البرية والنباتات لن تخرج منها سالمة!!!».
تنوعت الأسباب بين ما يقوله المعنيون وبين أجوبة الرسميين، في موضوع يجب أن يجف حلق الجميع لإيجاد الجواب عليه…
الخبراء والفلاحون يقولون إن السبب في تراجع صبيب النهر يكمن في الإفراط في استهلاك مياهه.. أو في سوء هذا الاستهلاك من خلال محطتين للضخ وثلاثة سدود في المنطقة.
آخرون يضيفون إلى المأساة ارتفاع ملوحة النهر الشيء الذي يهلك الزراعة والمنتوجات الفلاحية بكل أنواعها…
الرسميون في المنطقة وفي الوزارة عينهم على السماء وعلى ملوحة النهر ويرددون لكل من أراد الإنصات أن السبب الرئيسي لندرة مياه النهر هو الجفاف والملوحة. «أما محطتا ضخ المياه فليس لهما تأثير كبير على صبيبه، وقد أجريت دراسات قبل إنشائهما لتفادي أي اختلال في توازن النهر»، على حد قول المدير الجهوي لوزارة الفلاحة…
سماء بخيلة
ونهر متعب
وماء مالح
لا زرع فالح!
ويعاني المغرب، الذي تمثل الزراعة القطاع الأساسي في اقتصاده، من توالي مواسم الجفاف في السنوات الأخيرة. ويتوقع أن يستفحل الأمر في أفق العام 2050 بسبب تراجع الأمطار (-11 بالمئة) وارتفاع درجات الحرارة (+1,3 درجات)، بحسب تقرير لوزارة الفلاحة.
ويعاني المغرب، الذي تمثل الزراعة القطاع الأساسي في اق ويعاني المغرب، الذي تمثل الزراعة القطاع الأساسي في اقتصاده، من توالي مواسم الجفاف في السنوات الأخيرة. ويتوقع أن يستفحل الأمر في أفق العام 2050 بسبب تراجع الأمطار (-11 بالمئة) وارتفاع درجات الحرارة (+1,3 درجات)، بحسب تقرير لوزارة الفلاحة.
وتشير توقعات وزارة الزراعة إلى أن الجفاف سيؤدي إلى تراجع مخزون مياه الري في أفق العام 2050، “إلى مستوى قد يصل حتى 25 بالمئة” على الصعيد الوطني.
عانينا في العادة من تزايد عدد السدود التي نضبت منها المياه، واليوم أصبحنا نواجه حالة غير مسبوقة هي جفاف الأنهار الكبرى…
ويصنف معهد الموارد العالمي المغرب من بين الثلاثين دولة الأكثر تعرضا لشح المياه على كوكب الأرض.
ليست السماء وحدها من يمكن أن ينقذ التساقطات والأنهار، اليوم تبدع البشرية في المجال العلمي عبر الأثقاب واستكشاف الموارد، على حد قول الوزير الرزين نزار بركة!
وهو ما يطرح على المغرب الاستفادة من الثقافة مقابل الطبيعة..
ولعل استضافة الكوب المناخية بمراكش بعد مؤتمر باريس الشهير، كان توجها يريد المغرب من خلاله القول إن التغيرات المناخية أصبحت جزءا من وجودنا ومن سياستنا ومن معيشنا اليومي، ربما بدأت بفيضانات قاتلة وحرائق، وانتقلت إلى الأنهار بشكل أكبر…
ختاما نذكر شابا من شبيبة الاتحاد بمدينة تاوريرت…وكان الزمن زمن الثمانينيات من القرن الماضي، وكان الشاب من أول من اهتم بالموضوع البيئي وبالماء…
وكان الميل الكبير وقتها لدى الشباب أبناء التيار الاتحادي المعارض هو أن قضية البيئة نزوع برجوازي للدول الصناعية، وأن الأهم بالنسبة لنا هو قضايا الصراع الطبقي، الديموقراطية، توزيع الثروة. وقتها وقف ذلك الولد النحيف بحركات يده المراهقة ليقول ببلاغة لا تنسى: عندما سنلوث واد زا، الذي يعد رافدا من روافد واد ملوية، فإن الذين يتأثرون مباشرة هم الفلاحون والذين يصطادون سمكه المحدود للعيش..ياه كم كان رائيا ذاك الشاب!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/11/2021