عندما يشكك المغاربة في جدوى القمة العربية 1/2

عبد الحميد جماهري
لم يحظ مؤتمر من مؤتمرات القمة العربية بنفس النقاش في المغرب، كما حظي به المؤتمر الذي ينتظر عقده في نونبر القادم.
لقد اختارت الجزائر الدولة المحتضنة أن تعطي لتاريخ المؤتمر بصمة وطنية تاريخية تخصها بالأساس، وتهم الأمة العربية في امتدادها التحرري بمساهمة كبيرة من الوطنيين المغاربة أنفسهم، وهو تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية في فاتح نونبر 1954.
وينعقد المؤتمر في سياق غير مسبوق يطرح سؤال القدرة الفعلية والعقلانية لدى الدول العربية علي الاتفاق على خارطة طريق مشتركة، و هو في نفس الوقت حاجة ملحة للعثور على حد أدنى مشترك بين دول تخضع إراديا أو لاإراديا لتقاطعات دولية وإقليمية جد حادة..
وربما غير مسبوقة، منذ آخر قمة جمعت العرب في تونس عام 2019، كان الأمل في تونس الثورة ما زال طريا، ومنذ آخر قمة لم تكن روسيا قد قررت الدخول إلى عش الدبابير الأوكراني، ولم تكن دول الناتو قد وضعت المنطقة العربية في منطقة التماسِّ الجديدة للصراع بين قوى آسيا الصاعدة وقوى الغرب المتحدة، ولم تكن إيران حاضرة بالقوة التي تحضر بها اليوم، منذ الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي…
ولن نبالغ إذا قلنا إن رهانات القمة بعدد البؤر النارية التي تُزنِّر الخارطة العربية، والتقاطبات التي تهيكل الحقل السياسي العربي من القوة بمكان.
في المغرب يعتبر انعقاد القمة في الجارة الشرقية ، حدثا موضوع تحليل وعواطف ونقاشات غير مسبوقة.
فإذا كان سابقا قد حضر ملك المغرب الراحل المرحوم الحسن الثاني قمتين في الجزائر عقدتا في سياق توتر بين البلدين، فلم يحدث أن عقدت قمة في مثل الأجواء والنقاشات التي تدور اليوم بين النخبة المغربية، وصلت إلى حد مساءلة الجدوى من حضور قمة في دولة تغلق حدودها في وجه المغرب، في وقت اختارت القمة شعار لم الشمل والوحدة؟
يلاحظ المتتبعون وأصحاب القرار أن سقف القمة الذي سبق وأن أعلنه رئيس الدولة عبد المجيد تبون ووزيره في الخارجية رمطان لعمامرة قد انخفض كثيرا.
فلم يعد هناك حديث عن « قمة القرن»، ولا حديث عن قمة لتطبيع «عودة سوريا» وعن «عزل الدول المطبِّعة»، كما أن الموضوع الإيراني كان ولا يزال موضوعا ساخنا…
في المؤشرات الخضراء، يمكن إدراج التزام الجزائر بالعرف الديبلوماسي ودعوة المغرب عبر بعث وزير العدل فيها إلى الرباط، وهو ما كان موضوع بلاغ إخباري من الخارجية المغربية، وعادة لا يكون ذلك مبعث بيانات ديبلوماسية، وتكتفي الدول بخبر في وكالاتها الرسمية، وحدوث نوع من «المسايفة» بالبلاغات، بلاغ خارجية المغرب الذي يرسي الدعوة في سياقها العربي.. وبلاغ مماثل سبق للخارجية الجزائرية قد أصدرته يقول بأن الجزائر تلتزم «سياسيا وأخلاقيا بدعوة الدول على قدم المساواة»، في ما يشبه الجواب على سؤال يتعلق بالعلاقات المقطوعة بين الجارين..
وقد كان بلاغ الخارجية المغربية شبه «تأطير ديبلوماسي» للزيارة التي سيقوم بها المبعوث الجزائري، حيث أوضحت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أنه «سيتم إيفاد وزير العدل الجزائري إلى المغرب، بعد المملكة العربية السعودية والأردن ، في حين سيسلم وزير الداخلية الدعوة نفسها إلى القمة لتونس وموريتانيا». وأضاف المصدر «أنه سيتم في هذا السياق استقبال وزير العدل الجزائري بالمغرب».
وكان لافتا الإشارة إلى الدولتين العربيتين الأردن والسعودية في بلاغ الخارجية، وهو ما ينبئ بأن ترتيبات سابقة بين الدول الثلاث فرضت هذا الأمر.
غير أن هذه المؤشرات الخضراء تحمل في ذاتها إشارات حمراء، وقد تكاثرت في النقاش بين الدولتين، لاسيما في التعليق على مخرجات مجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء، حيث اعتبر المغرب أنه سجل نقطا ايجابية في اجتماعات اللجن والمجلس، ولاسيما اللجنة العربية حول الإجراءات الإسرائيلية في القدس، واللجنة العربية حول التدخلات الإيرانية في العالم العربي.
بالنسبة للمغرب كانت إشادة اللجنة المختصة بالدور المغربي من خلال لجنة القدس، بمثابة النقطة الأخيرة في سجال بين الجزائر وجارها الغربي.
فقد كانت القضية موضوع رهان قوة وديبلوماسية شد الحبل لمرتين على التوالي خلال هذه السنة، عندما رفضت الجزائر مشروعي بيان عن الدول العربية والمجموعة الإسلامية ودول عدم الانحياز في أبريل وفي يوليوز من السنة الجارية يخصان المغرب وأهله، فلم يصدر أي بيان عن القدس وفلسطين، بسبب الفقرة 35 من مشروع أعدته ممثلية فلسطين وباكستان رئيس قمة منظمة التعاون الإسلامي، وساندته الدول كلها وهي الفقرة التي تشير إلى دور العاهل المغربي في حماية الهوية الإسلامية للقدس من خلال لجنة القدس التي يترأسها، وأيضا من خلال وكالة بيت مال القدس التي يشرف عليها، بل ذهب السياسي عمار بلاني، المكلف بالمغرب والعربي والصحراء إلى حد التلميح بضرورة تغيير الرئاسة.
وبقدر ما يعتبر قرار اللجنة المختصة ومجلس الجامعة على مستوى الوزراء مؤشرا على تليين الجزائر لموقفها من القضية ومساراتها للتوجه العربي الشامل ، فإن المغرب، ولاسيما إعلامه العام، الرسمي ومنه وغير الرسمي، اعتبر بأن الأمر نقطة إيجابية لفائدة البلاد ويتوجس من إعادة طرح التوتر حولها من طرف الجزائر في القمة.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 15/09/2022