عن افتتاح الدورة البرلمانية : لحظة سيادية بسقف انتظار سياسي مرتفع ..

عبد الحميد جماهري

لا يمكن أن تكون مناسبة ذات علاقة بالبرلمان، ولا نذكر معناه الذي أصبح له في الدستور الجديد.، وبدون أن نعود إلى الفصل 2 فيه…وما تولد عنه بخصوص مفهوم السيادة.
مباشرة بعد تعريف الدولة في الفصل الأول:» نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية«.
وقبل الفصل الثالث الذي يخص دين الدولة :»الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية«..
يحدد الفصل الثاني معنى السيادة ويحسم فيه بلا لف ولا دوران ويعطيها للأمة، بحيث » تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها( الذين )تختارهم في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم..«!
الخلاصة هي أن المقعد البرلماني هو مقعد سيادي! أو مقعد سيادة..وأن السقف »الأخلاقي« الذي يتطلبه، حول النزاهة والشفافية، كان من المفروض أن يحصنه عن كل عبث!
هل الحقيقة هي نفسها؟
الواقع أن الجالسين، اليوم ينصتون لخطاب الملك، يجب أن يشعروا بالحاجة الملحة لكي يكونوا قادرين على الشعور… بالخجل!
حيث أن هذا الشرط الرفيع، لا يبدو حاضرا باعتبار أن المتابعات التي تطال الكثير من نخب البرلمان، والوضع الأخلاقي، الذي يقترب من الوضع المافيوي، يجعلنا نتساءل عن التهديد الكامن في هذا التيار ضد التيار (أو الاختيار) الديمقراطي للبلاد وعاهلها.
كانت آخر رسالة للملك إلى مؤسسة البرلمان، هي التي وجهها إلى السلطة التشريعية بمناسبة الذكرى الستين لإنشائها. في 17 يناير 2024 بمناسبة الندوة الوطنية المخلدة للذكرى….
وقد علَقَ بالذاكرة السياسية، انطلاقا من الرسالة، دعوتُها إلى الارتقاء بالممارسة البرلمانية إلى مرتبة أخلاقية لا تلطخ سمعتها. وهو أمر يستوجب الوقوف عنده. وفي هذا، نذكر بأن النقطة المركزية، أو عقدة الخطاب، كانت ولا شك هي التحفيز على » تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية، بمجلسيها، تكون ذات طابع قانوني مُلزِم..«.
لا أعتقد بأن المدونة المقترحة علينا، بالقوة التي تمكنها من التقاط الحاجة إليها. خصوصا وأنها تتأسس في الواقع على فلسفة لا تتجاوز المسكِّنات الإجرائية إلى ما هو مبني على غايات البرلمان نفسه، والتي حددتها الرسالة نفسها في ثلاث
– الأولى : تذكير الأجيال الحالية والصاعدة بالمسار الديمقراطي والمؤسساتي الوطني، وبما راكمه من إصلاحات . بحيث لا يمكن أن تختلط الأمور فيصبح الشكل الديمقراطي بدون مادة تاريخية وبدون عمق، قدمت في سبيله الأرواح..
– الثانية : الوقوف على مكانة السلطة التشريعية في مسار الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والتنموية، التي عرفها المغرب طيلة هذه الفترة من تاريخنا المعاصر. وهو ما تكرس دستوريا من أجل حياة برلمانية سليمة تكون فيها للمؤسسة قدرة عالية على تجويد الحكامة والديمقراطية والتماسك الاجتماعي …..
– الثالثة : استشراف مستقبل النموذج السياسي المغربي، في أفق ترسيخ أسس الديمقراطية التمثيلية، وتكريس مبدأ فصل السلط …
من حقنا أن نسأل عن قدرة القاعدين في مقاعد السيادة على ترجمتها من خلال هاته القواعد الملكية المحددة في الرسالة؟
ولعل في استحضار مضامين الرسائل الموجهة بمناسبة افتتاح البرلمان في السنوات الماضية (21 – 22 – 23) ما يسعفنا في الجواب:
1ـ خطاب السنة الماضية 13 اكتوبر 2023 ركز على الزلزال وعلى القيم المؤسسة للدولة الأمة : الدينية والروحية والوطنية علاوة على قيم التضامن والتماسك الاجتماعي، ومنها الدعوة الى تنزيل الدعم الاجتماعي وما يرافقه
وكان المضمون الثاني هو الأسرة ومدوَّنتها، ومن الواضح أنها قطعت مساراتها كلها: الإعلان الملكي، رسالة جلالته الى رئيس الحكومة، المشاورات، الإحالة على المجلس الأعلى العلمي.. ولم يبق سوى الإعلان على إحالتها على البرلمان.للمناقشة والمصادقة، ثم إعطاؤها إطارها الدستوري من خلال مجلس المناصفة..
في حين استأثرت قضيتا الماء والاستثمار بخطاب الجمعة الثانية من أكتوبر 2022…، في افتتاح السنة الثانية من الولاية الحالية.
وفيه قال الملك إن النتائج المحققة، على مستوى الاستثمار تحتاج إلى المزيد من العمل، بل لعل الذي يجب أن تنكب عليه الحكومة هو الفساد الاقتصادي، من خلال مؤشرات الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد، كذلك في ضعف إن لم نقل عجز السلطات العمومية عن الدفْع بالقطاع الخاص إلى مستويات أرقى، باعتبار» أن الهدف الاستراتيجي، هو أن يأخذ القطاع الخاص، المكانة التي يستحقها« …( وهي مناسبة للمساءلة بخصوص خلق (500) خمسمائة ألف منصب شغل، في الفترة بين 22و26. ونحن على مشارف انقضاء الولاية ) !
في خطاب التأسيس، إذا شئنا القول، للولاية الحكومية الحالية، كان خطاب الملك قد سجل الشروط الاقتصادية والسياسية التي تباشر فيها الحكومة ولايتها. وقدم معطيات إيجابية للغاية، سواء بالنسبة للنمو أو بالنسبة للتضخم أو الاحتياطي من العملة أو غير ذلك من مؤشرات الحالة الاقتصادية للأمة. ولنا أن نسأل عن وعود خطاب المنجزات التي تدعي الحكومة أنه لم يسبقها أحد إلى تحقيقها في الميدان. حتى أنها طورت خطابا يفيد بأنها حققت في نصف الولاية ما لم يتحقق في ….ثلاثين سنة مضت!!

 

وقد كان الملك قد دعا في أكتوبر 2021…إلى »ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، ولاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد« وهي مناسبة لمساءلة الحكومة، من خلال أغلبيتها الجالسة في البرلمان، على ما فعلته بتوجيهات الملك؟.
خصوصا في ذلك، التنصيص الملكي على كون »التحدي الرئيسي، هو القيام بتأهيل حقيقي للمنظومة الصحية، طبقا لأفضل المعايير، وفي تكامل بين القطاعين العام والخاص«.، مع استحضار العطب شبه الكامل في القطاع العام( إضرابات الممرضين والعاملين والطلبة الأطباء الذي اتخذ صيغة إضراب شامل لمدة سنة…،)..
إن الوضع الحالي يذكرنا بما هو أعمق، في لحظة سيادية ديموقراطية مثل افتتاح البرلمان، وبما قاله الملك في خطاب العرش لسنة 2016، عندما اعتبر جلالته أن :
ـ مفهوم السلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الانتخابات والإدارة والقضاء؛
ـ الفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة؛
ـ محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع:
+ الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين.
+ المجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار العفة والنزاهة والكرامة…
وليس هناك من بد أن نقر بأن مظاهر الفساد و»موارده« البشرية ازدادت وتنوعت وتسلطت، حتى بات من شبه العادي أن نتحدث عن »تيار مافيوزي« يتهدد الديمقراطية ويضعف التيار الديمقراطي في البلاد. وبات من العادي تداول الاتساع المهول للظاهرة.. ولعل المشهد السياسي في المغرب يثير القرف والخوف لما يتراكب فيه من عناصر التيئيس من الديموقراطية،وانتصار ثقافة الغضب الحر في الشارع على مؤسسة مركزية في بناء الدولة!
لولا تنصيص الفصل الثاني على انتظام الانتخابات( تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم.) لكانت الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها ذات معنى حقيقي…ترافقه في الوقت ذاته، مبادرة صادرة عن … الدولة من قبيل الزلزال السياسي !

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/10/2024