عن التعديل والتغول… والاستقرار!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لا يهم مآل الخبر، ولا مدى تأثيره الفعلي على ما بعد انتشاره، غير أن الحديث عن التعديل الحكومي، الذي أطلقت شرارته أسبوعية «جون أفريك»، الصادرة في باريس، والذي سارت بذكره الركبان، يعيد طرح قضيتين أساسيتين، على الأقل، في السياسة الوطنية تخص الحكومة، التي لم يمر على تنصيبها عام كامل.
وليس ضروريا أن نعرف مآلات الخبر وخلفياته، لكي ننظر بعين التجريد إلى مسلمتين اثنتين بنت عليهما الأغلبية دفاعها وهجومها معا، على المعارضة، مؤسساتية كانت أو غير مؤسساتية.
المسلَّمة الأولى هي قضية الهيمنة أو التغول بلغة الكاتب الأول للاتحاد، والتي كانت تعني إغلاق الحقل السياسي، من أقصى موقع رئيس الحكومة والأحزاب الشاملة لها، إلى أصغر جماعة قروية في البلاد، في ما يشبه الاستئثار الكلي بحقول السياسة والعمل المدني والقرار الترابي … وغير ذلك.
والمسلَّمة الثانية هي قضية ذلك الربط المتجنِّي بين استقرار الحكومة واستقرار البلاد…
وقد اعتبرنا بأن أسهل وأخطر دفاع عن الحكومة الحالية هو جعل استقرار البلاد من استقرار الحكومة!
وأن أي مس بتشكيلة الحكومة أو إخضاعها للمساءلة، ولو من باب التفاعل مع القضايا الطارئة دوليا ومحليا، هو بالتالي محاولة زعزعة استقرار البلاد…
ونحن لا نخلط هنا بين احترام الانتظامية السياسية المؤسساتية، وعنوانها الانتخابات ومواعيد السيادة الشعبية…. وطبيعة التشكيلات التي يمكن أن تتحالف أو تتآلف أو تتوالف في جهاز تنفيذي ما!
ويماثل طرح هاتين القضيتين في الواقع سقوطهما معا…
فنحن نتابع كيف تسقط مقومات «التغول» في امتحان الإكراهات التي يواجهها البلد، وكيف أن المناسبة التي كانت فرصة لتعزيز النقاش العمومي وتقوية النسيج المؤسساتي، كيف تحولت إلى وصلة إشهارية حكومية، ومهرجان للخفة والتنابز والاستسهال الممل لمهمة جهاز تنفيذي في فترة من أصعب الفترات…
ونشاهد نهاية الاختباء وراءها ومفاد هذه الملاحظة أن الحصول على مقومات الهيمنة في الحقل السياسي، لا يعني أوتوماتيكيا القدرة الخارقة على مواجهة تفاعلات الوضع الدولي والإقليمي والمحلي، من برج الطمأنينة العددية، والغرور الحسابي!
أمامنا مثال حي على أن تشكيل الحكومة، بالطريقة التي تظهر قوة مكوناتها لا يعني بالضرورة تجاوز الحاجة إلى «التواضع« الديموقراطي في بناء الثقة، وفي القدرة على التعبئة الوطنية، والجدارة في الحكامة الرشيدة، القادرة على مجابهة معادلات متراكبة، من قبيل مشكلة الطاقة والتأمين الاستراتيجي للغذاء وتوفير شروط تجاوز الاحتقان الاجتماعي وما قد يتراءى من تضارب مصالح وغيرها…
لا يهم هذا العبد الضعيف الفقير لرحمة ربه من التعديل سوى ما جره من أسئلة جديدة وما قد يكون قد حله من معضلات ذات صلة بمعادلات أخرى نعرف بعضها ولا نعرف البعض الآخر…
القاعدة الثانية في مسلَّمات خطاب الأغلبية، هي محاولة وضع شرطية مبالغ فيها بين استمرار استقرار البلاد واستمرار استقرار الحكومة، كما يريدها حزب رئيس الحكومة.
وإذا كان من المشروع أن تكون لكل أطروحة سياسية في الساحة مشروعيتها من حيث الدفاع عن نتائج صناديق الاقتراع، فإن المشروعية الأصلية لا تلغي بتاتا تغيير تركيبة الجهاز التنفيذي…
كما أنه ثبت أن الاستقرار العميق والصلب في البلاد، هو من طبيعة تتجاوز استقرار الحكومات!
لاسيما عندما تكون البلاد قد توافقت على ثوابت ديموقراطية وأخرى مؤسساتية وثالثة وطنية كبرى، في قلبها الإصلاح والتطوير الدائمين لنموذج الحكم والحكامة…
سرعان ما تحول التعديل إلى محرم سياسي، يحذرنا منه حزب وطني، هو في المحصلة لم يعتد أن يتحدث من زاوية غامضة عن قوى مجهولة (رئيس البرلمان قال إنها أجنبية ومؤامرة من خارج المغرب)، وهو القاموس الذي تعودنا عليه طوال عشر سنوات (تحت مسميات عديدة منها التحكم والدولة العميقة) لكنه لم يصمد طويلا أمام إصرار قائد البلاد على احترام كل المنهجيات الديموقراطية منذ دسترتها…
ويجب أن نعترف أنه كان من الغريب أن يتحدث حزب رئيس الحكومة وقيادته عن هذا المحرم الجديد، من ضفة التشكيك في حق المغاربة في الغضب بحجة وجود مؤامرة!
ولا أحد طلب الحديث بالتفصيل عن هذه المؤامرة، اللهم إلا حديث الخارج…
لقد استسلمت الأغلبية المطلقة والمهيمنة والمستقرة بصورة مثيرة، للردود الانفعالية، ما بين تحقير الغاضبين ومبادراتهم، وبين اتهامهم بالعمالة (غير العمدية) لجهات أجنبية، وبين تهويل انتقاد الأغلبية من جراء الاحتقان الاجتماعي وتحميلها تهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد!
وهو أمر بالغ الخطورة حقا، بغض النظر عن مآلات التعديل من عدمه، وليس ضروريا أن يتم التعديل بالشكل المتعارف عليه، بالزيادة أو النقصان أو زد وانقص منه قليلا، لكي يثبت أن هناك حاجة أكبر، ألا وهي تعديل المزاج الوطني وتعديل السياسات والأولويات في سياق غير عاد!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/08/2022