عودة إلى الحوار الوطني

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ألم يحن وقت التفكير في هيئة وطنية للنقاش العمومي؟

 

تحدث مولاي إسماعيل العلوي، بعد ندوة شاركت فيها كل المؤسسات، المراكز والأكاديميات المرتبطة، نَسَبًا أو فكرا، بأسماء قادة وطنيين، (علال الفاسي، بوعبيد،علي يعته، المهدي بن بركة، أبو بكر القادري، عبد الهادي بوطالب، المهدي بن بركة، حسن الوزاني، أيت يدر، الجابري،…) ودعا إلى حوار وطني شامل حول مغرب الغد. الدعوة في هكذا سياق، تعني أنها دعوة كل المشاركين، وأحد مخرجات النقاش الذي دار بينها في الأسبوع الأخير من أبريل.
وقد تزامن النداء – الأطروحة، الموجه من طرف الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية والوزير السابق، عبر حوار له مع أسبوعية «جون افريك»، مع حديث متواتر حول قرب تسليم ملك البلاد لنتيجة الحوار الوطني حول النموذج التنموي، الذي دعا إليه جلالته في وقت سابق.
هذا التزامن، بين المطالبة بحوار وطني حول مغرب الغد، بعد أن أفضى حوار وطني سابق عليه، حول نفس «التيمة»، إلى نتائج تنتظر أن تعلن للعموم، بين الفينة والأخرى، يطرح عمق الموضوع المراد مناقشته، من حيث الأهداف والوسائل التي يتطلبها الحوار الوطني، الفكري -المدني إذا شئنا التمييز.
فالواضح من كلام مولاي اسماعيل العلوي، أن مجهود الحوار ومناقشة مغرب الغد، لا تريده المؤسسات الشهيرة المذكورة أعلاه أن يبقى «أسير» اللجنة وعملها في تركيب التقرير النهائي، أو تدبيره وتمحيص مخرجاته، بعد الحسم في الخلافات التي تكون قد حدثت حوله.
وبالنسبة للأستاذ اسماعيل العلوي: هناك حالة استعجال، وضرورات قصوى زادتها الجائحة تكريسا ووبالا، إذ تبين أن 25 إلى 30 مليون مغربي ومغربية في حالة هشاشة.
والمدخل لإعطاء قوة لأي مقترح /نموذج، هو إعادة الثقة بين المؤسسات والمواطنين.
وهذه العتبة المطلوبة تلزمها شرطية أخرى ذات علاقة بطريقة الاتفاق عليها: اتفاق حول الشكل، مجسدا في حوار وطني لبناء عقد اجتماعي جديد.
وقد نفهم من ذلك، أن الشرط السياسي ضروري وحاسم قبل الانتقال إلى مرحلة تفعيل النموذج الذي صاغته لجنة بنموسى. وأن تجسير الفجوة، التي أحدثها انعدام الثقة بين المؤسسات الوطنية والمواطنين والمواطنات يمر بالضرورة عبر هذا الحوار السياسي الفكري.
ومولاي اسماعيل يتحدث بنبرة لا يمكن أن تترك أيا كان محايدا.
فهو يريد بناء مغرب الغد، عبر الحوار الوطني الشامل المفضي إلى عقد اجتماعي جديد.
نحن أمام بدهيات الحوار الوطني في الواقع، عندما يتخذ شكلا سياسيا ترافعيا. والمقترب السياسي والمؤسساتي حاضر لدى القوى السياسية التقدمية على الأقل، ووضعته مدخلا إجباريا لأي نموذج تنموي.
في الوقت ذاته، فالحوار الوطني، كما تعارف عليه متابعو الحالة السياسية هنا وفي العالم، شيء يتوقع حدوثه، كما ألفناه طوال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، ثم في أول القرن الحالي، جراء ثورات أو انتقالات حادة ونزاعات داخلية، تعطي فرصة للدولة ومؤسساتها من أجل بناء «مشترك أقوى»، ومن أجل ضمان اشتغال المؤسسات بقصدية مبتكرة بهدف بلورة عقد اجتماعي جديد!
أي مغرب جديد، بعيد عن المغرب الذي يثير القلق، ويشتغل بمنسوب عال من انعدام الثقة!
وهذا المغرب، حسب العلوي، «لا يمكنه أن يتأتى بقرار فوقي، ولا بالمناورات السياسية أو الحزبية، بله بالتدخل الخارجي!»..
وهي عبارة قوية، شاملة، حمالة أوجه، ترمي إشاراتها ذات اليمين وذات الشمال، ذات الأحزاب وذات النظام، ذات الداخل وذات الخارج!
قد تتطلب تحديدا سريعا، ومناسبا قبل أي خطوة أخرى..
ومن جهة ثانية، يكون الحوار، هنا، وسيلة وغاية، شكلا ومضمونا في نفس الوقت.. حوار – يقول مولاي اسماعيل – بلا «أجندة» سياسية مباشرة له، كالرهانات الانتخابية أو تغيير النخب التدبيرية أو ما شاكل ذلك..
عند التدقيق، لا يغيب هذا الشرط المباشر في تقدير الظرفية السياسية، حيث أن صاحب المقترح يقر بالفعل بوجود تخوفات من المقاطعة والعزوف عن الاستحقاقات القادمة»..
ويمكن المجازفة بالقول بوجود carte mentale أو الخارطة الذهنية لحوار وطني عند أصحاب الدعوة، ومن أولوياتها، وجود تحليل دقيق ومقنع لأوضاع الكارثة، مع ما يتطلبه ذلك من تحديث للوقائع وتحيين للمعطيات وتوفير للأرقام والوضعيات، ثم الانتقال إلى تأكيد الإرادة السياسية، في تحديد أطراف العملية برمتها..
هذه الخارطة، تتمثل في كيفية إجراء الحوار الوطني، والأطراف المشاركة فيه، على حد قول صاحب الفكرة، أي عقد «سلسلة من اللقاءات حول المواضيع التي تعتبر أساسية:
– الإصلاحات السياسية لإعادة الاعتبار للسياسة.
– ترميم أزمة ثقة بين المواطنين والأحزاب والدولة ومؤسساتها وكل ما يُبَنيِن البلاد ويهيكلها»….
– بعد الإصلاحات السياسية تأتي الإصلاحات القانونية لوضع حد لكل أشكال الفساد، باعتبار هذا شرطا لبناء الثقة..
– تقوية دور القطاع العام وتصليب نسيجه وانخراطه في القضايا الاجتماعية كالصحة والتعليم..
وبخلاصة، تجاوز فهم معين في عمل اللجنة التي يرأسها بنموسى، والانتقال من فرصة النموذج التنموي، إلى فرصة النموذج السياسي الاجتماعي، الذي «يضمن التربية والتوزيع العادل للثروة»، ويقر بأنه «بدون حريات وديموقراطية سنكون في عتبة تحت -الديمقراطية
وتحت – العدالة وتحت – الحريات، كما في نماذج تركيا والصين وروسيا»..
وفي الختام؟
تقديم الخلاصات إلى المجتمع، وإلى ملك البلاد إذا هو أراد ذلك.
هل نحن أمام حاجة إلى «ساعات إضافية» من إعمال العقل الوطني حول قضايا المغرب الحارقة اليوم؟ أم تعديل في روزنامة عمل اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي، أو أمام مقترح تغيير جذري في الأسلوب وفي الأهداف وفي الفلسفة التي تعمل بها اللجنة؟ أم نحن أمام محاولة جواب عن فراغ عميق ليس من اختصاص اللجنة البحث له عن ردم، من قَبيل الثقة في المُهًيْكلات الرئيسية للدولة؟
هي أسئلة لا يمكن أن نعفي أنفسنا منها في هذا الوضع بالذات.. ولربما يكون الجواب عليها هو طرح السؤال التالي: أمام دعوات «الحوار الوطني» المتكررة، ألا يحسن بنا التفكير في هيئة وطنية للنقاش العمومي؟

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/05/2021