عيد العرش وحالة الأمة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

انتظارات لحظة حضارية متجددة

1 ـ يخلد المغرب والمغاربة عيد العرش هذه السنة، ولثالث مرة، في سياق تطبعه الأزمات الدولية وما ترخيه من إسقاطات وطنية داخلية.
مع ذلك يمكن أن ننظر إلى مغرب 30 يوليوز 2022، من زوايا تقدير جد إيجابي، سواء في:
ـالمكانة الدولية للمغرب
ـأو في مكاسب قضيته الوطنية
ـ أو في دوره القاري والإقليمي
ـ أو من حيث تكريس نموذجه السياسي المستقر على قاعدة التنافس الديموقراطي
ـأو من زاوية تأهيل مؤسسات اقتصاده
ـ أو من حيث حفاظه على مقومات سيادته الصحية
ـ أو من أجل نموذج جديد من الإصلاحات تحت مظلة النموذج التنموي الجديد
ـ أو من حيث تدبيره لشروط ميلاد الدولة الاجتماعية الشاملة.. وإعلان مقترحات عملية من أجل التنزيل السليم لمشروع الحماية الاجتماعية …
كما يمكن أن ننفتح، استشرافيا، على ما يمكن أن يدشنه عيد العرش الحالي من أفق جديد، إِنْ على مستوى تدبير الوضع الوطني الحالي الراهن والمباشر أو على مستوى خطاطات التأهيل العام لنسيجنا الاجتماعي الوطني واستكمال منظوماته .. ولاقتصادنا في الاستثمار والتحفيز المقاولاتي وغير ذلك من نقط جدول أعمال الإقلاع الاقتصادي..
مناسبة عيد العرش آنيا، ليست لحظة لاستحضار التطورات المتسارعة والعنيفة التي عرفتها السنوات الثلاث الأخيرة، فقط بل لحظة كانت ثمرة عهد جديد بدأ قويا واستمر قويا ولم تستنزفه كل التحديات التي واجهها. هو لحظة مستمرة في الزمن للوقوف عند اللحظة الحضارية التي يمثلها مجيء محمد السادس إلى الحكم: لا يمكن الشعور بها إلا اذا استحضرنا تاريخ الدولة المغربية برمته. ..
فقد استطاع العهد الجديد أن يضع للدولة المغربية، كيانا ووطنا وجهازا ومؤسسات، ريادة مستعادة في العلاقات الدولية، وفي تطوير النموذج الروحي التعددي للمغرب وبناء تعاقدات عميقة حوله، وإعادة موقعة البلاد في محيطها القاري، بما يجعل الطرق الحضارية العتيقة والقديمة تنتعش وتستعيد البلاد ثورتها الإصلاحية من تاريخها ومن طبيعتها التجارية والروحية والسياسية..لحظة ، لا يفرض الإقرارَ بها الاعتزازُ المنبهر ، بل يتابعها العقل كلحظة ممكنة في التاريخ كما في الفعل السياسي المباشر.
لهذا العيد دوما تاريخ يسبقه، بعيدا في الزمن أو قريبا، كما له حاضر يعطيه معناه من سياق الانتظارات حوله، ومن طبيعة السياسة التي تكون لخطب الملك في اللحظات القوية والمفصلية والباحثة عن معنى جديد للسياسة والمجتمع.
وله مستقبل أيضا، بالمعنى الذي يفتح به أفقا جديدا لاستكمال دورة اللحظة الحضارية الجديدة كما سميناها..
لقد وثق المغاربة في روح العدالة والتفاف ومصالحة المغرب مع هوياته، الحضارية والروحية والثقافية والتعددية وغيرها، وإعادة تصحيح مسار الدولة، (وكثيرا ما كانت سابقة عن السياسة في المغرب الحديث)، وإعادة تعريف طبيعتها، ديموقراطية تصالحية في بداية العقد الحالي، اجتماعية ديموقراطية في زمن الأزمات، دولة قادرة على قيادة الثورات الاجتماعية والفكرية والمجتمعية… قادرة على بناء النموذج في محيط جيواستراتيجي معقد متقلب، وفي دائرة عربية إسلامية تعرف العديد من الهزات والنكبات والتعثرات المكلفة تاريخيا وعربيا (تفكك الدول وانهيار الأنظمة وتعثر الانتقالات الديموقراطية ..)
3 – في التقدير المباشر للوضع الوطني، هناك قضايا مستعجلة، منها الماء والطاقة والغذاء.. واستكمال الحماية الاجتماعية.
في مجال الطاقة والمحروقات، لاحظنا أن البرلمان صوت بالاجماع على مشروع القانون رقم 21-41 بتغيير وتتميم القانون رقم 13-20 المتعلق بمجلس المنافسة،
والقانون الجديد كان بإحالة ملكية على رئيس الحكومة السابق ، وورثه الحالي عنه للنظر في المقتضيات السابقة التي أدت الى ما أدت اليه..ايام ادريس الكراوي، كما أن المجلس أعلن رئيسه السيد رحو منذ أيام أن دراسة حول المحروقات ستكون جاهزة في نهاية الشهر..
و نهاية الشهر تتزامن مع عيد العرش، حيث تكون حالة الأمة L’ETAT DE LA NATION حاضرة بقوة..
إذا أضفنا التقاطب والتجاذب القويين حول مواقف الحكومة بل عجزها عن أية مبادرة شجاعة تخفف من حدة الاحتقان .. قد نستخلص أنها كل هذه المعطيات قد تكون، (و لله أعلم) مقدمات لقرار قريب..
قرار يعيد العقارب الى ساعة الطمأنينة! ويخرج البلاد من مناخ التوتر والتقاطب السياسوي الى المناخ الايجابي القوي الذي يساير الثورات الملكية في المجال الاجتماعي الشعبي…والمؤسساتي والديبلوماسي وغير ذلك من نقط ارتكاز مشروع الملك الكبير لمغرب المستقبل.
المفروض أن السنة كانت أيضا السنة الأولى في النموذج التنموي الجديد الذي تعاقدت عليه القوى الحية في البلاد، واستخلصت منه الميثاق الطويل من أجل التنمية..
والسنة هي أيضا فرصة امتحان قدرة النخب على تمثل الإرادة الوطنية الكبرى من خلال بسط مجموعة متكاملة من المشاريع الإصلاحية، من الجيل الجديد!
جيل غير مسبوق من الإصلاحات إذا أردنا التعبير بطريقة مغايرة..

النص الكامل للعمود في عدد الغد

 

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/07/2022