غُلِبَتِ الرُّومُ …في أقصى باريس!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
…وحدث الانفجار الكبير..
فشل اليسار الاشتراكي لأنه على غرار الحاكم في قصيدة درويش يريد
أن يختار شعبا يختاره بعد ذلك..
يقول اليسار الاشتراكي:
أنا الحاكم المنتخِب
وأنت الجماهير المنتخَبة..
ثم يختار شعبه واحدا واحدا
ويترك، على الهامش،الشعب الفرنسي الذي يحقق النصر..
ونحن، هنا
نقرأ جزءا من الهزيمة في الانتخابات الفرنسية، في الدورالرئاسي الأول على اعتبار أنها تكريس لهزيمتنا
إذا كنا جانب الروم
وجزءا من انتصارنا إذا كنا جهة الفرس
ونقرأها على أنها ركن في درسنا الداخلي..
لكل رومه…
غُلِبَتِ الرُّومُ
ولكل أرضه
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
ولكل أمله
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
ولم يصدق الوعد لحد الساعة..
اليساري سيتبع مآلات اليسار
وسيفرح للتنشيط التاريخي لخراب الدورة الفكرية ليسار اليسار
والاشتراكي سيتأمل الفرق بين الثكنة، والحزب
وقدرة ثكنات بلا جيوش
على هزيمة بلا معارك!
واليميني فينا سيقف على ما تبقى من دوغول في جبة فرانسوا فيون
ويختال، كما لو أنه يحمل الراية الثلاثية، كما لو أنه خرج للتو من سجن الباستيل رفقة المعتقلين
وهو بلا رسالة سوى ما يفتح الريع من مسالك في الدولة..
أو ما تركته الفضائح المالية لخدام الجمهورية من شعارات الثورة الليبرالية الأكثر توهجا في العالم..
سيستورد الشعبوي لنفسه مبررات أخرى: لكي يبرر أن السياسة في نهاية الاقتراع ما هي سوى إثبات أن الوطن فريسة،
والسياسيين مفترسون بشوكة وسكين..وأدوات استطلاع الرأي
وأن أفضل استعمال للديموقراطية هو أن تتحول الأصوات إلى سكاكين…
وصناديق الاقتراع إلى توابيت..
لأول مرة، منذ بداية الجمهورية الخامسة، لم يجد الاشتراكيون، حفدة مانديس فرانس
وليون بلوم
ونسل فرانسوا ميتران أنفسهم في جدول الأعمال: فهم لم يكونوا أقل حبا لفرنسا
ولم يكونوا أقل انضباطا..
بل لأنهم اختاروا أن يحولوا حزبهم إلى حفلة من الرقصات الذاتية:تتويج ذاتي مفتعل في كل مسارات التدبير العام، واحتفاء كبير بالذبح المتبادل..
هكذا كان لهم في كل انتحار نشوة انتصار..
على بعضهم طبعا..
على ما تبقى منهم..
وهكذا في كل حفلة شواء جماعي، كانوا يرون أنهم متوجون بالنشيد..
اعتقدوا، بغير قليل من النرجسية المريضة أن الشعب الفرنسي سينتظرهم إلى أن يتوجهم بأكاليل الغار..وهم جرحى ومعطوبون أخلاقيا وسياسيا وسلوكيا:
عليهم أن يتأملوا واحدا منهم ينتصر عليهم،
عليهم أن يتألموا لأنهم لم يستطيعوا أن يحشدوا المنتصرين
وعليهم أن يتأملوا لأن الاحتكام إلى الصرامة..
لا يعوضهم في معركة الكرامة
وعليهم أن يتألموا لأن المساطر لم تصنع جنديا واحدا قادرا على النصر..
وعليهم أن يتأملوا هذه المفارقة:ميلونشون، الذات الواحدة استطاع أن يرتمي في أحضان ذوات عديدة، لأنهم، هم رفاقي تحصنوا في ذوات، ولو كانت شتى..
تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى..
عليهم أن يتأملوا كيف أن وزيرا منهم كان قويا، وبالرغم من أنه مر بالسلطة فلم يكن ذلك كافيا لكي ينفره الفرنسيون، وأن السلطة لا تتحول إلى مفسدة إلا عندما يعتنقها الصغار
وذوو الأعطاب النرجسية و«الكارياريين» وذوو الأنانيات المقيتة..
عليهم أن يتذكروا أنهم أبناء الفكرة الجماعية..
بعد ذلك سنحلل ما وقع:
-تصدع البنية الحزبية الثنائية التي نشطت الجمهورية الخامسة، كما تأسست مع ميتران وشيراك..
– انتصار دعوات الثورة الفرنسية إلى التصويت ضد أصحاب المال
والتصويت ضد مؤسسات الاتحاد الأوروبي
والتصويت ضد السياسيين الخالدين
والتصويت ضد النظام القائم
والتصويت ضد القضاء والسياسة والإعلام في الجمهورية الخامسة..
-خليط من الغضب والحسرة والخوف والشك …يدفع الرأي العام للبحث عن توزيع أوراق… لا يعرفها، بدقة! بين يسار يضمن الراديكالية الاجتماعية واليمين الذي يضمن الراديكالية الهوياتية….
– البحث عن أبطال عاديين، لا يسارعون إلى السلطة من أجل استراتيجيات فردية، بل من أجل مواجهة المد الشعبوي العالمي..
– سقوط جزء من اليسار لأنه صار جزءا من الجمهورية القديمة، في مفارقة تجعل التقدمي رمزا للبنيات العتيقة…
– رسملة الخوف الافتراضي من الآخر والخوف الحقيقي من الضربات الإرهابية وبناء جدار سميك من الرعب بين المواطن وبلاده، حتى إعلان التصويت أداة للانعتاق، حتى ولو تحولت الديموقراطية ضد نفسها مع اليمين المتطرف..
(يتبع)
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 25/04/2017