فصل في الجحيم.. وملحقاته!

عبد الحميد جماهري
لم يسبق أن وجد رجال المطافئ أنفسهم أمام هول النيران، باندلاعها في عدة مناطق في نفس الوقت، بشدة كبيرة، كما هو الحال في الآونة الراهنة.
والرقم الذي نطق به وزير الفلاحة بخصوص ما تم التهامه (أزيد من 10 آلاف و300 هكتار) وما كان من المتوقع أن تلتهم النيران غطاءه( قرابة 123 ألف هكتار) وآلاف من الأسر التي فرض عليها مغادرة بيوتها يدل على جبروت النار وقوة المجهود الذي تم بذله في تطويقها ومحاولة التحكم فيها…
ولعل أول ما يجب النظر إليه هو المورد البشري في المواجهة، وقد اتسع طيفه بحيث شمل الجيش والمطافئ والدرك والقوات العمومية والمتطوعين من المواطنين، وإذا كان لنا أن نخلص بخلاصات سريعة فهي ضرورة أن ننظر إلى الرفع من المورد البشري في قطاع إطفاء الحرائق والوقاية المدنية، وإعطاء الطابع شبه المِؤسسي للأمن المدني في مواجهة الحرائق، عبر تحديد شروط التطوع والتدريب والاستعداد.. إلى آخره، في تكامل مع تعبئة أكبر في صفوف الإطفائيين «النظاميين« إذا شئنا، مع ما يلزم من تكوين جديد يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي تحصل في المناخ المغربي وفي طبيعة المناطق المصابة، ومن الحصيف أن تكون لنا دراية علمية بهذه العناصر، ومن المثير أنه لحد الساعة لم نطلع علنيا على جداول للمقارنة بين السنة الحالية والتي سبقتها من حيث حجم الحرائق ولا خارطة تطور النيران وانتشارها الترابي، وهو أمر يتعلق ببنك المعلومات لدى الجهات المختصة، لكن الاتجاه العام للتحليل لدى الكثيرين يرى في ما وقع في غابات الشمال، في هذا الفصل الذي يتواصل كفصل من الجحيم، مقدمة تؤكد وتزكي ما يذهب إليه كل الذين يتابعون الاحتباس الحراري ويتنبأون بمآلاته…
وعوض الرضا بالبحث عن عقب سيجارة يدل المحققين على الأصل البشري لجريمة إضرام النيران، يغيرون وجهة بحثهم ويطاردون خيوط الدخان في السيرة المقلقة للمناخ، الذي دخلناه شاعِلين…
هي مقدمة، يقول الخبير المتخصص في الطقس، لما قد يكون عليه غدنا، ويدعونا إلى مزيد من التكيف مع فصول اللهب القادمة.
فكلما زاد الجفاف تحول المناخ إلى حريق وكلما قل المطر وجدت ألسنة اللهب فرصة من ذهب لتلتهم ما طاب لها من أشجار السرو والعرعر والأوكاليبتوس والزيتون والكروم وسطوح المنازل، وبعض البشر أيضا…
تواتر الحرائق كما يحدث الآن، يدعونا أن نستعجل وضع الجدول الزمني للفصل الذي يمكن أن يكون فصل الحريق، أي: متى يبدأ ومتى ينتهي.
وهو خَصاصٌ لا نعرف عنه شيئا لحد الساعة، والمغرب يدخل سنوات الحريق والجفاف وارتفاع درجات الحرارة مما يستوجب تحديد، ولو تقريبي، لمدة فصل الجحيم في صيف بلادنا…
وهو فصل قد يدرج في تفكيرنا ما لم نكن نطرحه من قبل، وضع كل ما يتعلق بالنقل ضمن كوارث ما يحصل كعواقب للتغيرات المناخية، يطرح على المكتب الوطني للسكك الحديدية ومديريات الطرقات وأصحاب السيارات والنقل العمومي والخاص بين المدن، ضرورة تكييف عملها مع هذا الفصل.
التكييف بمعنييه، ما له علاقة بالإنسان وارتفاع الطلب على التهوية الباردة…
علاوة على ما له علاقة بالمادة من خلال وضع السكك الحديدية والطرقات من زاوية التكيف مع التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على الطرقات والحديد والزفت !
ولعله نفس الأمر بالنسبة لمواسم الفيضانات التي تستوجب قنوات تأخذ بعين الاعتبار، ارتفاع منسوب المياه مثلا، قد يكون الأمثل لبلاد كبلادنا أن تختار شعار: كيف نتفادى المواجهة من الأصل ! عبر التحسيس بالمسؤولية الفردية، وهي مهمة في إشعال الحرائق، والمسؤوليات الجماعية من خلال سياسة تدبير الحرائق الاستباقية، من خلال إعطاء وكالات الطقس والفضاء الوسائل للعمل وتطوير قدراتنا في علم المناخ والفضاء واستعمال الوسائل التي تملكها الأجهزة العسكرية في الميدان كما يحدث في تجنيد العنصر البشري العسكري بطرية فائقة السرعة والنجاعة.
ومسؤولية الأفراد والمسؤولية الجماعية لا يلغيان بعضهما البعض، غير أن الذين سيشاهدون مشهد ما بعد الحرائق، سينتظرون الجواب على ما ستفعله البلاد أمام مشاهد الحرقة التي تلي ذلك، والنار لم تهدأ بعد كليا، في شمال المغرب حتى انضافت إليه مناطق أخرى.
في الشمال ينتهي نصف مسار اللهب، ويبدأ مسار آخر لا يقل إثارة للقلق والضغط، هو مسار التعويضات التي أقرتها الدولة بسخاء كبير… ووضعت لها سقفا محترما من 29 مليارا…
لم ينته فصل الجحيم بالنسبة للمتضررين، والذين غادروا بيوتهم ورجال المطافئ، وعليه من حق المغاربة أن يتخوفوا من الآتي ويطرحوا ما يتيح اجتياز الواقع الحالي، فالرماد الذي تُخلِّفه النيران لا يجب أن يخفي جحيما آخر، قد تتسلل من جمراته المغبرَّة حسابات الولاء… الانتخابي !
ومن حقنا أن نخاف…أن نستشعر الخشية من أثرياء اللهب…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 28/07/2022