فقه النجوى… لضبط المنافسة في الأسعار!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قرأت بلاغ السيد رئيس مجلس المنافسة وتصريحاته التي أعقبته وعمل زملائنا الصحافيين شكر الله لهم عملهم، وخرجت بخلاصة أولية إجبارية، مفادها أنه لم يعد من المحبذ أن نتصور أن رئيس الشركة المغربية لتوزيع الوقود «أفريقيا»، السي عزيز اخنوش سيتحدث الى السي حسن أكزناي، الرئيس المؤسس لمجموعة «وينكسو» النفطية، عن أسعار الغاز والنفط في أسواق العالم وفي السوق الداخلي، إن حدث والتقيا في جلسة من جلسات الناس!
وإذا قُدِّر لهما أن يلتقيا معا أو كان ثالثهما مدير «إينرجي طوطال»، فما عليهم سوى الانشغال بمصير شجيرات الهندية في الصيف القادم إذا ما أصرت الدودة القرمزية على العودة إلى مكان جريمتها السابقة….
ليس إجباريا أن تكون هناك دودة قرمزية بالضرورة، بل على كل موزعي النفط، وهم بالمناسبة 20 شركة أحصتها اللجنة البرلمانية للتحقيق في أسعار المحروقات في البرلمان الطيب الذكر، الانضباط لما يقوله مجلس المنافسة ورئيسه السيد رحو…
فقد نشر مجلس المنافسة بيانا صحفيا موجها بشكل أساسي »إلى جميع النقابات المهنية و الاتحادات أو النقابات القطاعية«، مذكرا ببساطة بأن القانون ينص في المغرب على أن أسعار المنتجات والسلع والخدمات (بصرف النظر عن قائمة أسعار المنتجات التي يحددها القانون، مثل الأدوية) لا يمكن تعديلها إلا من خلال معادلة العرض والطلب. والخلاصة التي يفرضها هذا التقديم «الأكسيوماتيكي»، بشكل واضح لا غبار عليه، هي «أن البائع أو موزع المنتوج، وحده الذي يمكنه أن يقرر إمكانية رفع الأسعار أو خفضها. فعندما يجتمع فاعلان أو أكثر، وخاصة في إطار جمعياتهم المهنية، يحظر عليهم الحديث عن الأسعار وتحديدها بشكل مشترك ومناقشة العناصر التي يمكن أن تؤثر عليهم، لا سيما أسعار الشراء ومستوى المخزون والتخزين المشترك»!
وكل حديث بينهم، هو حديث إفك وراءه وأمامه الخزي والشيطان… وغير قليل من نوايا تطبيق القانون.
فهو كلام محظور »بموجب القانون« الملزم للمتنافسين! وبدون أن يدري، فقد كان بلاغ المجلس ورئيسه، يدفع بالقضية إلى حدود النميمة المتوحشة والاغتياب الميركانتيلي والنجوى الرأسمالية، وهي والعياذ بالله من المكروهات في الدين…!
والنجوى يا سادة هي التناجي (التحدث) بين اثنين فأكثر». وقد تكون في الخير، وقد تكون في….. السعر!
ولم يكن في وارد فهمي أن التعميم الملتبس بهذا الشكل قد يعطي مسحة دينية لموضوع اقتصادي، يجعل النفط قضية لا يتم تداولها بين الناس، دولةً، كما في القرآن الكريم، والحديث في أسعاره من باب النجوى المحرمة بقانون المنافسة لا بالفقه المالكي!
ذلك ما فهمه العبد الفقير لرحمة ربه وعنايته من كلام السيد رحو!
لكن النفس المارة والأمارة بالسوء طاردتني بالأسئلة، كأي مواطن ساذج، بل قُلْ بليد : هل يوجد اثنان اليوم في المغرب أو في غيره من بلدان العالم، لا يتحدثان عن أسعار النفط وعن مستقبله القريب والبعيد وآثاره على المزاج الوطني العام، والمناخ الاقتصادي وطبيعة العيش الكريم؟
هل نتصور أن موزعينا اليوم، ينتمون إلى الإيكولوجيين في الدول الغنية في الشمال الإسكندنافي، ولا يطرحون سوى تأثير الحرب على طيور الكراكي والأسماك النادرة، وليفعل فلاديمير بوتين ما يشاء بنفطه وقمحه، ولتفعل أمريكا ما تشاء بالحرب… فالخطر كل الخطر هو أن يخلُوَ موزع بموزع ويُوَسوِسان لنفسيهما وساوس الأسعار !
ما يهمنا هو ألا يناجي السيدان أكزناي وأخنوش إخوانهما في الذات والمصفاة البترولية .. وهو طلب من باب المستحيلات …..العشرين !
أي معنى نعطي لما يقوله البلاغ وبعده تصريحات السيد الرئيس؟
في الواقع لا معنى لهذا سوى تعبيد الطريق لأسئلة بليدة مثل الناس مثلي، ومن هذه الأسئلة:
ـ لماذا يؤسس مهنيو النفط «تجمعا» خاصا بمهنتهم إذا لم يكونوا سيتحدثون فيه عن هذه المهنة وأسعارها وتوزيعها وضحاياها مثلا، في وقت لا حديث للبشرية المستهلِكة والمنتجة سوى عن النفط وأسعاره والقمح وأسعاره والغاز وأسعاره؟
كان بودي أن يكون السيد الرئيس أكثر دقة: وأن يطالب كل المهنيين المعنيين بأسعار القمح والخبز المتفرع عنه، والنفط والغازوال المتفرع عنه، والغاز والبوتان المتفرع عنه، أن يلتزموا بما نريدهم أن يجتهدوا فيه، من قبيل التفكير في مساهمات غير مسبوقة في أزمة المغاربة الحالية وتقديم مقترح في الضريبة على الثروة، وهم يجنون أضعافها!
كان من المفيد للغاية أن يتقدم المجلس بمقترح التعجيل بالقانون الجديد المنظم لعمله، بناء على مقترح اللجنة الملكية في موضوع المحروقات، والذي «شوَّط» رؤوسا غير الرؤوس الرابحة من المحروقات، ومساءلة رئيس الحكومة حول مآله منذ أن كان ملك البلاد قد أصدر تعليماته للجنة بإحالته على رئاسة الحكومة في الولاية السابقة.. ولم تكن المحروقات قد بلغت ما بلغته اليوم!..
وبوضوح تام:
أمام الجميع فرصة من أجل سد الثغرات تتمثل في توصيات تقرير اللجنة الشهيرة، وهو بين يدي رئيس الحكومة، :فهل القانون الجديد سيقدم أم لا؟
هل تعليمات جلالة الملك ستُفعَّل أم لا؟
هل رئيس الحكومة سيقبل بالقانون الجديد أم لا؟
هل الحقيقة هي التي نتحدث فيها أم عكسها، بكل بساطة؟..
نقول ببساطة، وننتظر..
في الواقع أينعت في عقل هذا العبد الفقير إلى رزق ربه، أحلام كبيرة في هذا الميدان منذ أن سقطت رؤوس وسقطت مقترحات كانت تطمح لما يفوق وصايا الوعظ والإرشاد التي يقدمها، مشكورا، السيد رئيس مجلس المنافسة. وهو مازال ينتظر وما بدل تبديلا!
ولعل التسقيف الذي رفضته الحكومة بطريقة لا دستورية، ومنعت وصوله إلى اللجنة البرلمانية التي يجب أن تناقشه، يظل مرتبطا بهذا القانون الجديد، ولعلنا لن نجانب الصواب إذا زعمنا أنه أفضل طريقة لمنع النفطيين الكبار، والقمحيين الكبار والزَّبْديين الكبار من مناجاة بعضهم البعض، ووضع آليات مادية قانونية وتشريعية وتدبيرية تتقفى آثار التواطؤات في الجودة والأسعار!
ولعلنا لن نجازف بالخطأ إذا آمنَّا، من باب الدولة الحامية والاستراتيجية، أن ضمان التخزين ودخول الدولة كحارس عام للمصلحة المشتركة للأمة في أزمنة السلام والحرب أيضا، هو حل في المتناول ويدور في جزء منه حول إنقاذ «لاسامير»!
أكاد أتصور أن النفطيين مثلا تحولوا إلى «خلية نائمة» تعمل سريا، وأن المجلس ليس له من وسيلة متابعة سوى أن يترك أعضاءها لضميرهم يؤنبهم ويردهم عن معصية قانون المنافسة!
ونحن لا نعدم أن يكون لكل مغربي ضمير يهتز دفاعا عن مصلحة وطنه، لكن لاشيء يمنع من أن تكون القواعد المادية الملزمة هي الرقيب.. وإلا فإن ترك الأمور تحت وصاية التنبيه الفقهي من النجوى، قد يشبه تلك النكتة التي تُحكى عن طالب ركب الأوتوبيس بدون تذكرة. وإذا بالمراقب يطلبها منه.
تعلَّل الطالب بأن الزحام يمنعه من الوصول إلى المحفظة لإخراجها وعرضها عليه، وطلب منه أن ينزل من الحافلة، حتى يتسنى له ذلك.
وكذلك كان، فلما طلب المراقب التذكرة، أجابه الطالب: أثبت لي أنني كنت في الحافلة..
..prouvez moi que j é?tais dans le bus
غدا قد يقول لكم أعضاء تجمع المهنيين: أثبت لنا أننا تحدثنا في الأسعار!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/03/2022