فيليبي السادس يعلن نهاية الأزمة مع المغرب!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
متى تعلن إسبانيا دعمها للحكم الذاتي؟
تمنى العاهل الإسباني أن يسير المغرب وإسبانيا في طريق مشترك، معا نحو المزيد من التعاون. واغتنم فيليبي السادس الاجتماع التقليدي مع السلك الديبلوماسي في بلاده، والذي غابت عنه سفيره المغرب وحضره القائم بالأعمال، كي يخرج عن صمت بدأ منذ اندلاع الأزمة بين البلدين.
والخروج الملكي عن الصمت هو دخول ملكي في الدبلوماسية.. وله معنى يتجاوز المعتاد.
وهو الأمر الذي يستوجب وضعه في إطاره الآني، والسابق معا.
ففي الدبلوماسية الإسبانية، يعتبر الإسبانيون أن الملك يمثل الوجه الدائم للديبلوماسية، بالرغم من التنصيص الدستوري على حصرية الحكومة في تدبيرها. فهو السفير الأول لإسبانيا، والديبلوماسي الأول وحصن وطني baluarte nacional، ويتغير الوزراء والسفراء والقناصلة ويظل واقفا في الساحة دفاعا عن إسبانيا…
ولعل أهم شيء أعلنه العاهل الاسباني هو قوله مع المغرب، اتفقت حكومتا بلدينا على القيام سويا بإعادة تحديد علاقة للقرن الحادي والعشرين، بناء على أسس أكثر قوة ومتانة.
وللمزيد من التوضيح شدد على انطلاقة جديدة مفادها «الآن ينبغي على الأمتين السير معا من أجل الشروع في تجسيد هذه العلاقة بدءا من الآن..».
فهل هو إعلان رسمي عن نهاية الأزمة على قواعد جديدة، كما طالب المغرب بذلك؟
هل انطلق القطار بما يرضي الطرفين؟
هذا السؤال يبقي عالقا، لكن الذي يزكي التوجه نحو تذليل العقبات، هو كون رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، سار في نفس الاتجاه الملكي عندما قال «أشاطر رئيس الدولة تصريحاته بشأن المغرب..».
وبالرغم من أن تصريحاته لم تكن بنفس الوضوح والقوة، في ما يخص التعاون المشترك، وتبنيه عبارات النوايا الحسنة، أكثر من التعبير الدقيق، وتكراره لنفس البلاغة الديبلوماسية، فإنه التقى في الأفق الذي رسمه ملك بلاده.
ولعل أحد العناصر التي لا يمكن إغفالها هو وجود المستشار الألماني «أولاف شولتز» إلى جانبه في هذه اللحظة.
وهو تزامن لا يمكن أن يكون بدون رسالة ثنائية مشتركة تهم المغرب. فبيدرو سانشيز قال ما قاله في ندوة صحافية مشتركة جمعته مع المستشار الألماني، الذي يقوم بزيارة لإسبانيا، وفي هذا التلاقي، كان المغرب حاضرا فيها كمشترك سياسي ديبلوماسي جيوستراتيجي.
ويتجاوز التزامن الحضور الجسدي في ندوة ثنائية إلى التلازم الزمني حيث الدعوة جاءت بعد أيام قليلة، من عودة العلاقات المغربية الألمانية، والدعوة الموجهة من رئيس الفدرالية الالمانية الى ملك البلاد لزيارة برلين.
ومن المحقق أن اسبانيا، مثل ألمانيا حركت جناحين من أجنحتها الثقيلة في تدبير الأزمة، وهما مؤسسة رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة..
وكان لافتا كذلك أن لغة رئيس الحكومة الإسباني سانشيز تشابهت الى أحد كبير مع بلاغ «أولاف شولز» الخاصة بالمغرب كـشريك استراتيجي..
ومع دعوة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير لجلالة إلى «إرساء شراكة جديدة»..
فهل يمكن أن تكون كل هذه الصدف بلا غد، وتمر بدون أن يكون لها ما بعدها؟ هل يمكن ألا يتدارس الطرفان الالماني والإسباني العلاقة مع دولة يطمحان إلى بناء شراكات استراتيجية جديدة معها، وبدون مناقشة الوضع في المنطقة والعلاقة مع الجزائر والقضية الوطنية المقدسة؟
وعلى كل، فمن الواضح أن الصورة الشاملة للخروج الملكي، تضمنت مكونات عديدة لا بد من فك شفراتها للاقتراب من فهم المعنى..
فقد أراد الملك الإسباني أن يفتح ممرا في جدار الأزمة الذي يفصل جارين وشريكين مهمين في غرب المتوسط، معبرا عما تفكر فيه من المؤسسة الملكية، في مجال يعد واحدا من المجالين الرئيسيين لتحركاته، هما مجال الديبلوماسية.. والأعمال الاقتصادية. وهو ربط لا يخفى في فهم الانخراط في دينامية إيجابية لتجاوز الازمة.. عبَّر عنه بضرورات إيجاد حلول للأشكال العالقة بين البلدين..
ولا يمكن للمتتبع أن يغفل بأن الكثير من العبارات والمواقف في كلمة فيليبي السادس، كانت رجع الصدى لما سبق أن ورد في خطاب جلالة الملك محمد السادس، عند التوجه إلى إسبانيا من أجل إعادة بناء علاقات قوية ومتينة على اسس جديدة.
ولقد ذكر وقتها اسم رئيس الحكومة الإسباني، والعمل الذي يقوم به المغرب معه، باشراف مباشر من جلالته، في احترام تام لما تنص عليه قوانين إسبانيا الدستورية في المجال الديبلوماسي…
وكان المغرب بالخطاب إياه قد فتح الطريق نحو بداية نهاية الأزمة.. مما لقي ترحيبا من طرف اسبانيا كلها، والاتحاد الأوروبي في شخص رئيسه.
كيف ما كانت النوايا المعلنة لدى الجارة الشمالية تظل القضايا الخلافية العميقة، عثرة تقف في وجه الطريق المشترك. طريق القرن الواحد والعشرين، وعلى رأس هذه القضايا البرود الإسباني وحياديته المشتبه بها إزاء تطورات قضية الصحراء المغربية.
فهل ستسير على خطى ألمانيا؟ وتجد في الموقف الذي عبرت عنه برلين مخرجا لها من الازدواجية والمواقف المعبر عنها غداة اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب وتنتقل إلى الاصطفاف إلى جانب قرارات مجلس الأمن، وفي اعتبار الحكم الذاتي قاعدة للحل ولها في ألمانيا بهذا الخصوص أسوة حسنة.. لاسيما وأن دولا من داخل الاتحاد الاوروبي تجاوزت عتبة الموقف الغامض والمزدوج، ومنها فرنسا وانجلترا العضوين في مجلس الأمن علاوة على ألمانيا..
السؤال ستجيب عنه الأيام القليلة القادمة، لما تقنع مدريد الرباط بما تريده حقا من الشراكة مع المغرب في ارتباط مع سيادته ووحدته.. وهو الشرط الذي وضعه ملك البلاد كمعيار وحيد وإجباري لأية شراكات اقتصادية او غير اقتصادية.
وقد يكون المجال مفتوحا لألمانيا بأن تنصح شريكتها في هذا المجال كما قد تبادر إلى وساطة دينامية..
وعلى كل، تبقي القضايا الاستراتيجية الأخرى منها التعاون الأمني والاقتصادي والهجرة إلخ.. مرهونة بالموقف الصريح من قضية السيادة، وبطبيعة العلاقة مع أطراف المغرب الكبير الأخرى التي جرت معها مدريد وبرلين إلى جوقة العداء..
لقد آن الأوان لخروج إسبانيا من جيوستراتيجية القنافذ، التي كلما أصيبت بالبرد تمسحت بالمغرب، لكنها تخرج أشواكها لتؤذيه بعد ذلك..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/01/2022