في أفق خطاب العرش، وترجمة اللحظة المغربية الآن! : استكمال أركان الدولة الاجتماعية هنا والهجرة والغذاء في إفريقيا

عبد الحميد جماهري
كان الخطاب الملكي لعيد العرش الماضي 2022 ، قد أعطى الانطلاقة، المبادرة من أجل « تنزيل تعميم التعويضات العائلية، تدريجيا، ابتداء من نهاية 2023»، أي لم تعد تفصلنا عن هذا الموعد الملكي سوى 5 أشهر، وهو ما يستدعي من السلطات العمومية أن تعطي فكرة عن المراحل التي تم قطعها من أجل تنفيذ التعليمات الملكية..
هذا المشروع الوطني التضامني، على حد قول ملك البلاد، سيستفيد منه «حوالي سبعة ملايين طفل، لاسيما من العائلات الهشة والفقيرة، وثلاثة ملايين أسرة بدون أطفال في سن التمدرس».
وهي ثورة بكل المقاييس، تنضاف إلى ثورة التغطية الصحية وتعميم الحماية الاجتماعية بشكل إرادي وبأفق اجتماعي صميم، وللشروع فيها كان ملك البلاد قد دعا إلى «الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم، وضمان نجاعته».
السجل الاجتماعي الموحد، كما هو معرف في الصفحة الرسمية الخاصة به ، هو «نظام معلوماتي وطني يخول لبرامج الدعم الاجتماعي تحديد أهلية وأحقية الأسر وفق معايير اجتماعية واقتصادية محددة وعلمية».
لكن في أفقه البعيد تحرير المواطنين في وضعية هشاشة من التسخير الإيديولوجي ومن الاستغلال السياسي ومن التبخيس الأخلاقي المتعمد من طرف أثرياء الحاجات، ومن باب وضع الحصيلة الإيجابية للثورة الاجتماعية المتعددة الأبعاد والطوابق يكون الوقت مناسبا، ولا شك، لتدقيق الحصيلة بخصوص الموعد الملكي الخالص باستكمال التغطية الصحية الإجبارية، التي يكون قد مضى على آخر آجالها قرابة 7أشهر، باعتبار أن ملك البلاد حدد لها أجلا نهاية سنة 2022...
هذه المواعيد الوطنية مع معالجة هشاشتنا الوطنية، لا تجعل مغرب محمد السادس، يتغافل عن شاشات القارة الإفريقية، وذلك من خلال نقطتين أساسيتين، هما الهجرة والغذاء.. الهجرة وضع لها الملك مفاتيح، ذات بعد متوسطي، وقاري وبينـ قاري، يهم أوروبا وإفريقيا، ويقدم النموذج في مجال معالجتها من زاوية تعامل إنساني وحضاري، يعكس الإرادة في استبدال مخاوف الأغنياء بما يقدمه الفقراء المهاجرون من حظوظ لتجديد شباب العالم الهرم في القارات الأخرى، وهذه المفاتيح التي استعرضها وزير الخارجية ناصر بوريطة أمام الأوروبيين منذ يومين تتمثل في ما يلي:
ـ جلالة الملك بصفته رائد الاتحاد الإفريقي بشأن قضية الهجرة.
ـ عمل المرصد الإفريقي للهجرة، الذي أنشئ عام 2021.
ـ المغرب «الوديع المعنوي» للميثاق العالمي بشأن الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية( ميثاق مراكش).
ـ المغرب بادر إلى إطلاق الحوار الأوروبي الإفريقي حول الهجرة والتنمية، ( بمسلسل الرباط، الذي يترأسه المغرب نفسه حاليا ) .
إلى كل ذلك يقدم المغرب تجربة ملموسة في السياسة الوطنية للهجرة واللجوء، من خلال الخطوات التي قام بها لفائدة تسوية الأوضاع ، أو في الترافع عن الحق في الهجرة كحق إنساني يجب إخراجه من دائرة الخوف وإنكار الآخر.. والمغرب أيضا بفعل انخراط شخصي وفيزيقيـ جسدي للملك ،»فاعل لا محيد عنه في ما يتعلق بإدارة الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط»…
هذه الثلاثية تكتمل أضلاعها باستحضار ما يقوم به المغرب، انطلاقا من انحياز واضح لملكه، لفائدة القارة وضمان غذائها، يمكن أن نعتبر بأن تواجد المغرب، ضمن معادلة رابح رابح، عمل من أجل إفريقيا، اقتصاديا واجتماعيا، كما يمكن أن نضيف إليه العمل من أجل خلق شروط تنمية حقيقية والترافع أمام العالم، ولاسيما الشركاء القاريين كأوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية، كحلقة أوسع من أجل هذا الهدف، يمكن أن نستحضر ثالثا الفلسفة وراء أنبوب الغاز من أجل ضمان شروط عيش كريم لأزيد من 11 دولة¡ لكن يبقى العمل من خلال تمكين القارة من مردودية الفوسفاط الفلاحية والدعم المباشر للسلة الإفريقية أهم مبادرة مباشرة وذات انعكاس حالي على أوضاع ملايين الفلاحين الصغار والمتوسطين وعائلاتهم، ومن ثمة بلدانهم، ويكفي أن نذكر في هذا الصدد استفادة 630 ألف مزارع في إفريقيا من أسمدة الفوسفاط المغربي، الشيء الذي نتج عنه زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، وفي قرابة 12 دولة إفريقية بما في ذلك نيجيريا وغانا وساحل العاج والسنغال.
لقد اكتسب المغرب، في الأوساط الفلاحية العالمية والمهتمة بالتغذية لقب «حارس بوابة إمدادات الغذاء في العالم»، على حد تعبير البروفيسور مايكل تانشوم، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن وبرنامج إفريقيا في المجلس الأوروبي في العلاقات الخارجية ..
وبذلك، يتصرف المغرب كقوة إقليمية سخية، لا تستأثر بقوتها لنفسها أو تضعها في ميزان السطوة على الآخرين بقدر ما تنبعث من نفس الفلسفة المطبقة في المغرب.
هذا ربط ليس تعسفيا ولا مجرورا من خياشيم المنطق، بل هو تلاق عضوي وموضوعي بين البعدين المحلي والقاري بالنسبة لملك يعتبر بأن « القارة عائلته المؤسساتية»..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 26/07/2023