في أفق خطاب العرش، وترجمة اللحظة المغربية الآن! تقوية المجتمع وتعبيراته

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

وقفت مجمل التصورات والتحليلات على حاجة المغرب إلى عماد تمثيلي قوي، في بناء الهندسة المطلوبة مؤسساتيا للمزيد من تقوية أداء الدولة وتنشيط دور المجتمع في تكامل أدوارهما…
ومن الضروري، اليوم، تقوية الأحزاب السياسية والنقابات حتى تكون في مستوى الروح التجديدية لمغرب النموذج التنموي الجديد، ولعلنا قرأنا مرارا وسمعنا تكرارا بأن الهيئات التمثيلية هي التي تملك القدرة على حمل مضامين النموذج التنموي، والواقع العام بالرغم من «التغول « الذي تخدع به العين المجردة، أنها ما زالت بعيدة عن تمثل النموذج التنموي ولعب دور الوساطة بين الدولة والمجتمع…
الكفاءات السياسية ذات الالتصاق بالمجتمع والقدرة على فهم إشكالاته ومساعدته على الخروج من حالات الانحسار في الكثير من الميادين ما زالت غير متوفرة بالشكل المطلوب في هذا الميدان، ولعله ورش حقيقي في تقوية النسيج الوسائطي بطوابقه النقابية والحزبية والجمعية، كي يتسنى للبلاد تجسيد هذا الأفق الذي يحمله النموذج التنموي.. وقد تبينت درجات العجز عندما تعلق الأمر بالمعيش اليومي تحت سياط الأزمات، سواء على مستوى القدرة الشرائية أو توسيع الطبقة الوسطى، ومحاربة الفساد أو تقليص الهروب الضريبي وإلغاء الامتيازات الريعية والتوزيع العادل للثروة…
وقد سبق للملك في 2017 أن نبه إلى هذه الأعطاب وعجز السياسات والمبادرات التي تروم هذه الآفاق حيث شخصها بدقة ولخصها بقوله «لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا».
وسنة بعد ذلك دعا في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2018، إلى «الرفع من الدعم العمومي للأحزاب المغربية، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار».
وجاء ذلك على قاعدة الحرص الملكي على «مواكبة الهيآت السياسية، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي» لما له علاقة بأهداف الدولة وآفاقها، وذلك بتوفير شروط « جودة التشريعات والسياسات العمومية».
إن الأحزاب في شرط وجودها النبيل مشتل للوطنية، ومنذ خمس سنوات كان الملك قد شدد على هذا الهدف حيث قال إن «المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين‫…‬ إلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات»، وهو أمر وقفنا على ضرورته في معركة البرلمان الأوروبي، وفي العلاقة مع الأحزاب الغربية المتنافسة على الحكم في إسبانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها‫.‬
بطبيعة الحال، إذا كانت الحكومات قد تجاوبت وفعلت بعضا من الإرادة الملكية، من خلال الرفع من الدعم إبان الحملات الانتخابية (وذلك أمر له وجه آخر من العملة‬ يتعلق بكيفية صرفه، وهو موضوع فيه تفصيلات لا بد أن يتم الحديث فيها مستقبلا)، فإن الشق المتعلق بـ»الكفاءات التي توظف في التفكير والتحليل والابتكار»، ما زال لم يجد خارطة تنزيله العملي، ولا كان محط حوار وطني داخل البرلمان أو خارجه، ولا موضوع مقترحات حكومية بهذا القدر أو ذاك، ولعل الأحزاب ‫(‬ الغنية‫)‬ لا تجد ضرورة لتنفيذه وتفعيله ‫… ربما ‫…‬
المغرب في حاجة إلى تقوية تعبيرات المجتمع، ومن الملاحظ فعلا بأن الحلقة الضعيفة اليوم، هي حلقة المجتمع، ولعل شعار النموذج التنموي «من أجل مجتمع قوي ودولة قوية»، في توازن القوة بين الدولة والمجتمع، شعار مرحلي نافذ،‬ وما زالت الحلقة الضعيفة المعنية به هي تعبيرات المجتمع من وسائط نقابية وحزبية ومدنية تستوجب الرفع من منسوب النجاعة والفعالية بوسائل متوفرة ومعاصرة.
هذا ورش أساسي، لمغرب اليوم والغد، ولارتقاء قوته، الناعمة منها والصلبة، وشرط من شروط التعبئة الشاملة والمساهمة المطلوبة في ترصيد مكتسبات المغرب والارتفاع بها‫..‬وحتى لا يقع خلل في مستويات الأداء الوطني، عبر الاختلال بين قوة الديبلوماسية والأمن والاقتصاد والتراث الروحي‫ من جهة، ‫وضعف المشاركة المواطنة ومساهمة تعبيرات المجتمع من جهة ثانية… ‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 28/07/2023